«يا للعار ويا للعار، مصر مشاركة في الحصار» و«طول ما الدم العربي رخيص، يسقط يسقط أي رئيس»... هتافات الناشط المصري الذي ردّدها في التظاهرة المناصرة لغزة قبل أسبوع، استفزّت إعلاميين مؤيدين للنظام، فشنّوا حملة مسعورة على «سجين كل العصور» كما يسمّى. انهالت الاتهامات عليه من «متطاول على الوطن» و«خائن» و«مخرّب»، فيما اتّهمه بلاغ مقدّم إلى النيابة بـ «تكدير السلم العام، ونشر أخبار كاذبة». في مواجهة الدعوات إلى اعتقاله، أجاب أحمد دومة على منصة أكس بأنّ «التهديد المتتالي والدعوات المنظّمة، بإعادة الاعتقال ردّاً على كل مقال أو تغريدة، يؤكّد على وجود وعي جمعي بأنّنا في سجن كبير وفي مرحلة شديدة التردّي والانهيار»
القاهرة | يبدو أنّ الأجهزة الأمنية في مصر لا تريد للناشط السياسي أحمد دومة (1985) ــــ «سجين كل العصور» كما يطلق عليه ـــــ أن يبقى كثيراً خارج أسوار السجن. في الأيام الماضية، انطلقت حملة إعلامية وقانونية ضد دومة، لا يمكن أن يكون من ورائها أي خير، وينتظر أن تكون الأيام المقبلة بدايات هذا الأمر، إن استجابت جهات التحقيق للبلاغات المقدَّمة ضد دومة.
وكان الصحافي والشاعر المصري قد شارك في وقفة احتجاجية مناصرة لأهل غزة وفلسطين على سلالم نقابة الصحافيين المصرية في القاهرة بعد مرور 100 يوم على العدوان الإسرائيلي على القطاع (الأخبار 18/1/2024). ورغم مشاركة الكثير من الشباب والناشطين في الوقفة، والشعارات القوية التي رُفعت، إلا أنّ ما أثار الإعلام المصري الحكومي والخاص ضد دومة كانت هتافاته بأنّ مصر تشارك في حصار قطاع غزة، ومطالبته ــــ مع المشاركين في الوقفة ــــ بفتح معبر رفح. قاد دومة الجموع بصوته المعتاد، هاتفاً: «عايزين المعبر مفتوح... غزة بتطلع في الروح»، و«يا للعار ويا للعار، مصر مشاركة في الحصار» و«طول ما الدم العربي رخيص، يسقط يسقط أي رئيس». ويبدو أن الهتاف الأخير كان موجعاً للأجهزة في مصر.

من التظاهرة المناصرة لغزة على سلالم نقابة الصحافيين المصرية قبل أيام

وعلى الفور، بدأت الحملة الإعلامية والقانونية ضد أحمد دومة في التصاعد من إعلاميين يؤيدون النظام المصري في كل «كبيرة وصغيرة». هكذا، وصفه الإعلامي أحمد موسى بالمجرم «المتطاول على الوطن» وطالب بمحاسبته على هذه الجريمة. لكنّ موسى لن يحاسب نفسه طبعاً على وصفه دومة بالمجرم. واتهم موسى دومة بأنّه يروّج لـ «أكاذيب الصهاينة». أما الإعلامي نشأت الديهي، فسبّ دومة بشكل واضح في برنامجه «بالورقة والقلم» على قناة TeN، قائلاً: «هذا شخص حقير، ديل الكلب عمره ما يتعدل». وتابع الديهي أنّ ما شهدته التظاهرة على سلالم نقابة الصحافيين «كانت هتافات رخيصة من الرخيص أحمد دومة». وعلى الرغم من أن تصريحات الديهي تحديداً تعتبر سبّاً وقذفاً ومخالفةً للقانون، إلا أنّ أحداً لم يتحرك حتى الآن لمحاسبته، وخصوصاً «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» الذي ـــ للمفارقة ــــ يشغل الديهي منصباً فيه!
وأشار الصحافي والنائب مصطفى بكري ـــ وهو مؤيد لكل الأنظمة التي حكمت مصر في حياته ــــ إلى أنه كان ضد الإفراج عن أحمد دومة، معتبراً إياه «متآمراً وخائناً للوطن». كما شارك الإعلامي والصحافي محمد الباز في الحملة بقوله إنّ «المخرّبين مكانهم السجن» في تحريض صريح على دومة، وربما مؤشر إلى مصيره في الأيام المقبلة. وقال الباز إنه اندهش ممن يعترضون على عقاب أحمد دومة على هتافاته أمام نقابة الصحافيين، وتابع: «أليس ما قاله دومة أخباراً كاذبة؟ أليس ما قاله مَساساً بأمن مصر القومي؟ أليس ما قاله تحريضاً صريحاً على الفوضى والتخريب؟».
وقبلها، كان دومة قد كتب تغريدات عدة عن مشاركة مصر في حصار غزة «من أجل الكرسي» بحسب حديثه على منصة «إكس»، ما دفع بمحام يدعى أيمن محفوظ، إلى التقدّم ببلاغ ضد دومة لاصقاً به التهمة المعروفة في مصر لإدخال أي معارض للسجن وهي «تكدير السلم العام، ونشر أخبار كاذبة». وفي بلاغه، زعم المحامي أنّ دومة استخدم «شمّاعة التضامن مع القضية الفلسطينية للطعن في الوطن ومؤسساته، وادعى كذباً أن مصر تشارك في حصار أهل غزة». وطالب المحامي بتقديم دومة للمحاكمة وسجنه.
ولدى دومة تاريخ طويل من انتقاد الحكومة المصرية منذ ثورة 25 يناير 2011، التي تحلّ ذكراها الـ13 بعد يومين. لكنه رد على دعوات اعتقاله مرة أخرى بقوله: «التهديد المتتالي والدعوات المنظّمة، بإعادة الاعتقال ردّاً على كل مقال أو تغريدة، يؤكّد على وجود وعي جمعي بأنّنا في سجن كبير، وأنّ حبس/ نفي شخص مخالف، هو الطريقة الوحيدة للتعاطي مع طرحه أو كلامه. ده مش دليل قوّة ولا سطوة. ده عرض مرعب لمرحلة شديدة التردّي والانهيار».
القبض على عشرات المشاركين في تظاهرات داعمة لفلسطين


وكان دومة قد خرج من السجن بعفو رئاسي في عام 2023 عقب استخدامه لكل مراحل التقاضي القانونية، بعدما قضى في السجن عشر سنوات من أصل 15 سنة هي مدة الحكم في القضية المعروفة باسم «أحداث مجلس الوزراء». وقبلها، سُجن لمدة ثلاثة أشهر لمشاركته في اعتصام «مجلس الوزراء»، وكانت هناك مطالبات دولية بالإفراج عنه أبرزها من قبل البرلمان الأوروبي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022. كما سُجن أثناء حكم الإخوان المسلمين لمدة ستّة أشهر بعد وصفه للرئيس الراحل محمد مرسي بالقاتل. وقبلها، سُجن في عهد المجلس العسكري عام 2012 بتهمة التحريض على العنف. وفي عام 2009 أي في عهد حسني مبارك، اعتُقل على حدود غزة حين انضم إلى مجموعة مناهضة للحرب ضد الفلسطينيين وحُكم عليه بالسجن بتهمة «عبور الحدود بطريقة غير شرعية». وجاءت هتافات دومة تزامناً مع الاتهامات الإسرائيلية الموجهة إلى مصر بأنّها أغلقت معبر رفح في وجه الفلسطينيين وأهالي قطاع غزة أمام محكمة العدل الدولية، حين كانت إسرائيل تنفض عن نفسها من تهمة الإبادة الجماعية التي وجهتها إليها جنوب أفريقيا أمام المحكمة. أمر نفته مصر بشكل رسمي عبر هيئة الاستعلامات ووزارة الخارجية، إلا أن هتافات دومة ماثلت هذه الاتهامات، لكن مصر في ردها على هذه الاتهامات خرجت ببيان ضد إسرائيل، بينما تسجن مواطنها دومة! كما يتزامن ما يحدث لأحمد دومة، مع تأكيد منظمات حقوقية على تجديد النيابات في مصر حبس العشرات من الأشخاص الذين ألقي القبض عليهم في تظاهرات داعمة لفلسطين منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.