وتحوّلت الحدود السورية - الأردنية، منذ عام 2011، إلى إحدى أبرز عقد الحرب السورية؛ إذ شكلّت في البداية الممر الأبرز لنقل السلاح إلى الفصائل المسلحة، ضمن ما عُرف بـ«غرفة الموك» المدعومة أميركياً. ثمّ تحوّلت إلى تهديد أمني غير مسبوق للأردن، ومن ورائه دول الخليج، وخصوصاً مع تغوّل شبكات التهريب، وتصاعد عملياتها، بالاستفادة من حالة الفوضى التي سادت آنذاك. ومع استعادة الجيش السوري زمام المبادرة، وشنّه عملية عسكرية واسعة في الجنوب في عام 2018 بدعم روسي، وقّعت الفصائل التي كانت تسيطر على درعا، اتفاق مصالحة بوساطة من موسكو، قضى بخروج المسلحين نحو الشمال السوري، وسحب الأسلحة الثقيلة من الفصائل المتبقية، على أن تعود مؤسسات الحكومة إلى العمل، تمهيداً لخطوات لاحقة تنتهي بعودة الحياة الطبيعية إلى المحافظة التي شهدت أولى شرارات الصراع. غير أن هذه الجهود تعرضت لمعوّقات عديدة، حالت، حتى الآن، من دون طيّ صفحة الحرب، في ظل وجود اختراقات أمنية، وتشكّل بؤر مسلحة، وانتشار خلايا نائمة تابعة لتنظيمات مختلفة، أبرزها تنظيم «داعش»، ما أدى بدوره إلى استمرار بعض حالات الفراغ الأمني، الذي يعتبر البيئة المناسبة لنشاط شبكات التهريب.
أعادت بيانات رسمية سابقة عمليات التهريب إلى الفراغ الأمني السوري في المناطق الحدودية
وفي وقت كانت تنصبّ فيه الجهود نحو استعادة الحياة الطبيعية في درعا، ظهرت السويداء - التي بقيت بعيدة عن الأحداث السورية على مدار 12 عاماً - في الواجهة، بعد اشتعال تظاهرات فيها، ومحاولات الفصائل المحلية كسر التوازنات القائمة هناك، والذي وجدت في التصعيد الأردني الأخير الفرصة الأنسب لتحقيقه، وبالتالي الدفع نحو استنساخ النموذج الكردي القائم في الشمال الشرقي من سوريا. ولعلّ هذا هو ما يفسّر البيان الذي أصدره فصيل «رجال الكرامة»، الناشط في السويداء، والذي طالب الجانب الأردني بوقف العمليات العسكرية، والانتقال إلى التعاون الأمني مع الفصيل للقضاء على شبكات المخدرات. واستند البيان، المؤلف من تسعة بنود، إلى ما تسبب به القصف الأخير من أضرار كبيرة في صفوف المدنيين وممتلكاتهم، وحمّل الحكومة السورية مسؤولية ما يحدث، معتبراً أن ثمة تخلّياً مقصوداً عن أداء المهام. كما حاول «رجال الكرامة» تقديم نفسه بديلاً لمكافحة العصابات، التي اعتبر أنها «تشكل خطراً رهيباً على مجتمع السويداء، بعدما باتت تنتشر بين شبابه وتدمر مستقبلهم، وتسيء إلى تاريخنا وانتمائنا إلى هذه الأرض».
وفيما لم تَصدر أيّ تعليقات رسمية سورية أو أردنية على الغارات الأخيرة، فإن بيانات رسمية سابقة أعادت هذه العمليات إلى الفراغ الأمني السوري في المناطق الحدودية. وفي المقابل، يدأب مسؤولون أردنيون، بين وقت وآخر، على اتهام فصائل مدعومة إيرانياً بالتورط في هذه الشبكات، في تناغم واضح مع الحملة الأميركية المتواصلة ضد سوريا وإيران تحت هذا العنوان، والتي تجسدت في سلسلة عقوبات عُرفت بقانونَي «كبتاغون 1 و 2»، اللذين استهدفا قطاع الأدوية في سوريا، أحد أبرز القطاعات التي تابعت نشاطها أثناء الحرب. هكذا، وإطار محاولاتها المستمرة اختلاق ذرائع جديدة لوجودها غير الشرعي في سوريا، والذي كان يعتمد سابقاً على «محاربة الإرهاب»، لجأت الولايات المتحدة إلى ملف المخدرات، وعمدت إلى تجهيز فصائل من أصول عشائرية في منطقة «التنف» لتكون أشبه بـ«حرس الحدود»، مهمّتها ضبط شبكات التهريب في المنطقة الواقعة عند المثلث الحدودي السوري مع الأردن والعراق.