في أعقاب رسالة بعث بها رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي، هرتسي هليفي، إلى مراقب الدولة، متنياهو أنغلمان، حذّره فيها من التحقيق الذي قرّر البدء فيه، لفحص أداء الجيش الإسرائيلي وإخفاقاته في التعامل مع هجوم «طوفان الأقصى»، انطلاقاً من أن ذلك «يشكّل ضرراً قد يؤثّر على أداء الجيش في الحرب الدائرة»، قرّر هليفي نفسه، أمس، تجميد اللجنة الخارجية التي خطّط لتشكيلها بهدف فحص «الإخفاقات» نفسها، حتى الانتهاء من التحقيقات الداخلية في الجيش، وفقاً لما كشفه موقع «واينت». إلّا أن أيّاً من شخصيات اللجنة التي كان يفترض أن يرأسها رئيس هيئة الأركان ووزير الأمن الأسبق شاؤول موفاز، وتضم في عضويتها كلاً من الجنرالات المتقاعدين: يوآف هار إيفين نجل رئيس وكالة الفضاء الإسرائيلية سابقاً، آفي هار إيفين، الذي قُتل أثناء حرق «فندق الأفندي» في مدينة عكا، إبّان أحداث «هبّة أيار»، وأهرون زئيفي-فركاش، وسامي تُرجمان، لم يتلقّوا أساساً كتب التعيين. وكانت لجنة هليفي المجمّدة، قد أثارت عاصفة أثناء اجتماع لـ«الكابينيت» عُقد في الرابع من الشهر الجاري، بعدما علم الوزراء بأمرها من طريق وزيرة المواصلات، ميري ريغيف.وفي كواليس الهجوم الذي شنّه، إلى جانب ريغيف، كلّ من وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، ووزير التعاون الإقليمي، دودي إمسالم - الذي لا يحقّ له أساساً حضور اجتماع «الكابينيت» -، كشفت «القناة 12» أنّ رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي ظلّ صامتاً أثناء الاجتماع العاصف، أثنى على ريغيف، متوجّهاً إليها بالقول: «ميري، كل الاحترام. لقد قمتِ بعمل جيّد»، علماً أن حكومة «معكسر المؤمنين» تنظر إلى موفاز باعتباره مهندس خطّة «فك الارتباط» عن غزة. وفور الكشف عن قرار هليفي، أطلّ بن غفير برأسه، وقال، في مقابلة مع «واينت» إنه «سعيد (...) فتوكيل موفاز وفركاش بالتحقيق في الإخفاقات، تماماً مثل توكيل قطّة بحراسة طبق كريمة حامضة. هؤلاء أشخاص ينبغي التحقيق في أفعالهم وليس العكس».
وأتى تجميد هليفي للجنة، في أعقاب قرار أنغلمان التحقيق في 33 قضية مرتبطة بإدارة الحرب على غزة، وأحداث سبقت عملية «طوفان الأقصى». وفي الرسالة التي بعث بها إلى المراقب، حذّر رئيس الأركان من أن التحقيق الذي سيجريه الأول «سيصرف انتباه القادة عن القتال، ويضرّ بقدرة التحقيق العملياتي وجودته»، كما أنه «لن يسمح باستخلاص العبر اللازمة لتحقيق أهداف الحرب». وذكر هليفي، في رسالته، أنه «لا توجد سابقة لإجراء عملية فحص رقابية على أداء الجيش أثناء الحرب»، مشيراً إلى أن جيشه «يرحّب بأيّ عملية رقابية، وقد تعاون مع المراجعات التي أجراها مراقب الدولة سابقاً، وسيواصل التعاون». وأضاف: «الآن، الجيش الإسرائيلي بأكمله يركّز على القتال وعلى الإجراءات التي تخدم القتال. يجب أن تكون الأولوية للتحقيق العملياتي واستخلاص الدروس والعِبر. وبناءً على ذلك، أطلب تحديد تاريخ بدء الفحص بطريقة تسمح للجيش بتكريس الاهتمام والموارد المناسبة لذلك».
والتحقيقات التي سيجريها أنغلمان، جاءت بدفع من نتنياهو على طريقة المثل القائل: «أتغدى به قبل أن يتعشى عليّ»؛ إذ إنها تهدف إلى صرف الأنظار عن مسؤولية المستوى السياسي عن الإخفاق الأكبر في تاريخ إسرائيل، ولصقه حصراً بالمستويَين العسكري والأمني، على اعتبار أن تحقيقات المراقب قد لا تترك مجالاً لأخرى مستقبلية. ومن بين المسائل التي سيتناولها أنغلمان، وفقاً لِما أوردته صحيفة «هآرتس»، مفهوم الأمن القومي وتأثيره على العمليات الرئيسية، وحماية الحدود مع غزة قبل الهجوم، ومسار الأحداث وأداء المستوى السياسي والجيش و«الشاباك» فيها، والاطّلاع الاستخباري في هيئة الأركان والجيش و«الشاباك»، وحالة العناصر الأمنية والوحدات الاحتياطية في «غلاف غزة»، والحفاظ على إنتاج أسلحة إسرائيلية الصنع، وفعالية الجدار الأمني في محيط القدس، وترخيص حفل «نوفا» في «كيبوتس ريعيم».
وبناءً على ما تقدّم، اعتبرت الصحيفة أن رسالة هليفي تعبّر عن «ذروة في المواجهة» بين قيادة الجيش وأنغلمان، مشيرةً إلى أن أوساط تلك القيادة تشتبه في أن المراقب، المقرّب من نتنياهو والذي عُيّن في منصبه بمبادرة من الأخير، يخدم أهداف رئيس الحكومة والمستوى السياسي عبر «تحويل النيران نحو الجيش الإسرائيلي من أجل أن يبعد (نتنياهو) عن نفسه (ووزرائه) الانتقادات العامة». وبتحقيق أنغلمان، يكون نتنياهو قد أحكم قبضته، بعدما أحبط التحقيقات الداخلية للجيش كونه لا يسيطر عليها، والتي كانت ستُعدّ فاتحة للجان عدّة ستتفرّع منها مستقبلاً، قد يقدّم على إثرها وزراء استقالاتهم. كما أنه عبر التحقيق الذي فتحه رَجُله، شكّل نتنياهو رافعة ضغط على هليفي، ما دفع الأخير إلى تجميد اللجنة.