رام الله | اغتالت قوات خاصة إسرائيلية، فجر أمس، ثلاثة شبان فلسطينيين، بينهم شقيقان، داخل مستشفى «ابن سينا» في جنين، والذي اقتحمه جنودها. وليست هذه الجريمة هي الأولى من نوعها في الضفة الغربية، إلا أنها تشكّل في هذا التوقيت تصعيداً خطيراً، ينذر بما هو أسوأ، ولا سيما أنها جاءت في موازاة استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، والتي يُعدّ حصار المستشفيات واستهدافها وتدميرها، من أركانها الرئيسيّة، بهدف تدمير القطاع الصحي أولاً، وتكريس الوجه الدموي للعدو ثانياً. ويضاف إلى ذلك ما تشهده مدن الضفة من اقتحامات يومية، تقوم خلالها قوات الاحتلال بمحاصرة المستشفيات واقتحامها واحتجاز مركبات الإسعاف التابعة لها واعتقال جرحاها، واغتيالهم في بعض الأحيان.وفي تفاصيل ما جرى، فقد أقدم 12 عنصراً من القوات الخاصة الإسرائيلية (الجيش، «الشاباك»، و«وحدة اليمام»)، فجراً، على اقتحام مستشفى «ابن سينا»، بعدما تنكّر بعضهم بزيّ أطباء وممرّضين، وآخرون بزي نساء وشيوخ، واعتدوا على المرضى والممرّضين، قبل أن يقتحموا الطابق الثالث، حيث أَعدموا ثلاثة شبان كانوا موجودين في إحدى الغرف بمسدّسات كاتمة للصوت، قبل انسحابهم. وتشبه العملية الأخيرة تلك التي نفّذتها قوات الاحتلال الخاصة عام 2015، حين اقتحم جنودها «المستشفى الأهلي» في الخليل على هيئة مرافقين لامرأة حامل في وضع ولادة، وأعدموا الشاب عبدالله شلالدة، واعتقلوا ابن عمه.
وبحسب المصادر المحلية، فإن الشهداء الثلاثة، الشقيقين محمد وباسل الغزاوي، ومحمد جلامنة، الذين جرى إعدامهم في الغرفة، وهم نيام، لم تكن في حوزتهم أسلحة. ومحمد الغزاوي هو أحد قادة «كتيبة جنين»، ورفيق الشهيد جميل العموري، أحد مؤسّسي «الكتيبة»، وكان رفقه أخيه باسل في المستشفى، حيث يتلقّى الأخير العلاج منذ إصابته، في الـ25 من تشرين الأول الماضي، جرّاء قصف نفّذته آنذاك طائرة مُسيّرة على مقبرة مخيم جنين، ويساعده في توفير احتياجاته ومتطلباته العلاجية، فيما رافقهم أيضاً القائد في «كتائب القسام» في جنين، محمد جلامنة، لتقديم أيّ مساعدة يحتاجون إليها.
وأَظهر مقطع مصوّر رصدته كاميرات المراقبة في المستشفى لحظة تسلُّل بعض أفراد القوّة الخاصة بملابس الطواقم الطبية، وآخرين بزي نسائي وشيوخ وهم يجرّون عربة لذوي الاحتياجات الخاصة وعربة أطفال، قبل أن يشهروا أسلحتهم على الطواقم الطبية والمواطنين، بينما كانوا في طريقهم إلى الغرفة التي تواجد فيها الشبان. وعقب عملية الاغتيال وانتشار الخبر، شهد محيط المستشفى دوي إطلاق نار كثيف من قِبَل المقاومين، لكنّ القوات الخاصة كانت قد انسحبت من المكان بالتزامن مع اقتحام واسع نفّذه الاحتلال الذي كان جنوده عند مداخل المدينة. وفي وقت لاحق، عمّ الإضراب الشامل مدينة جنين ومخيّمها، وسط دعوات إلى النفير العام والردّ على جريمة الاغتيال، فيما شارك آلاف الفلسطينيين في تشييع الشهداء، مؤكدين المضيّ قدماً على طريق المقاومة.
وفي ظلّ فوبيا 7 أكتوبر التي تسيطر على السلطات الإسرائيلية، والتي يَظهر أن الأخيرة تحيل عليها كل موبقاتها، زعم «الشاباك» وجيش الاحتلال أن جلامنة، الذي نفّذ عمليات إطلاق نار عديدة استهدفت القوات الإسرائيلية، كان يخطّط لتنفيذ عملية اقتحام واسعة للمستوطنات على غرار «طوفان الأقصى»، وأنه خطّط مع الشقيقَين الغزاوي لتنفيذ هجمات في الفترة المقبلة. وفي محاولة لتصدير صورة نصر عقب الجريمة، قال جيش الاحتلال إن العملية استهدفت محمد جلامنة الذي نجا من محاولات اغتيال واعتقال سابقة، وهو مطلوب للاحتلال منذ أكثر من عام ونصف عام. وزعم «الشاباك» أن جلامنة، الموجود في مخيم جنين منذ مدة، كان على علاقة مع قيادة حركة «حماس» في الخارج، وهو مسؤول عن تزويد المقاومين بالسلاح والذخيرة لتنفيذ عمليات إطلاق نار.
زعم «الشاباك» وجيش الاحتلال أن جلامنة كان يخطّط لتنفيذ عملية اقتحام واسعة للمستوطنات على غرار «طوفان الأقصى»


وعلى خطّ موازٍ، شنّت قوات الاحتلال، فجر وصباح أمس، حملة اقتحامات ومداهمات في الضفة، تخلّلتها مواجهات في بعض المناطق وإصابات في صفوف المواطنين، فيما اعتقلت عدداً من الشبان الذين جرى تحويلهم إلى التحقيق لدى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية. أيضاً، اقتحمت مدينة نابلس، وانتشرت في محيط مبنى المقاطعة، واعتقلت عدداً من الشبان بعد اقتحام منازلهم، كما داهمت عدداً من المنازل في بلدتَي عزون والنبي الياس في محافظة قلقيلية، حيث نفّذت عمليات تفتيش واعتقالات. كذلك، اقتحمت مخيمَي نور شمس، وطولكرم، وحظرت التجوال فيهما، فيما حاصرت المخيم الأخير بعدما دفعت بتعزيزات عسكرية إضافية في اتجاهه، وسط تدمير للبنية التحتية ولخطوط المياه والكهرباء، وداهمت عدداً من المنازل، وفتّشتها وأخضعت أصحابها للاستجواب، ونشرت القنّاصة على نوافذها وأسطحها، في الوقت الذي نشرت فيه مجموعة أخرى من القنّاصة داخل البنايات العالية في محيط «طولكرم».
ويضاف إلى ما تقدّم، تنفيذ قوات الاحتلال، أمس، عمليات هدم في مناطق متفرّقة في الضفة، من بينها واحدة طاولت منزلاً قيد الإنشاء تُقدَّر مساحته بـ150 متراً مربعاً في بلدة السموع جنوبي الخليل. كما هدمت «نادي فلسطين للفروسية» في قرية قلنديا شمالي القدس، والمكوّن من صالة للتدريب بمساحة 500 متر مربع، وإسطبل للخيول بمساحة 300 متر مربع، علماً أن النادي بُني منذ ثماني سنوات على أرض تعود ملكيتها إلى «دائرة الأوقاف الإسلامية».