هكذا، لا تزال المجزرة مستمرة بفصولها كافة، فيما لم يطرأ على سلوك العدو أيّ تغيير، لا قبل قرار «محكمة العدل الدولية» ولا بعده. الجديد فقط، هو الفتور الذي يقابل به الجميع هذا الشلّال النازف من الدماء. ولسوء حظّ الفلسطينيين أيضاً، إنّ موسم القتل الحالي تزامن على نحو مستفزّ مع بطولتَي كأس أفريقيا وآسيا لكرة القدم، حيث أصبحت أخبار الفائزين والمتأهّلين في المباريات، تُزاحم أخبار الضحايا أو تجاورها، وصار مطلوباً من الفلسطينيّين، في بعض الأحيان، أن يفرحوا لأن جمهور أحد الأندية العربية، والذي لم يكلّف خاطره تنظيم تظاهرة أمام سفارة لإسرائيل أو الولايات المتحدة في عاصمة بلاده، قد رفع أعلامنا، وأعلى صوته في ذروة فورة الأدرينالين الرهيبة، بينما يسجّل لاعبه هدفاً في مرمى الخصم.
لا تزال المجزرة مستمرة بفصولها كافة، فيما لم يطرأ على سلوك العدو أيّ تغيير
في وسائل الإعلام العربية والدولية، وحتى المحلية، تغيب أيضاً صور المجزرة، وتتوارى أسماء الشهداء وحكاياتهم، فيما تَحضر الأعداد الباردة فقط. صحيح أن التوغل إلى قلب مدينة خانيونس، وتطويقها من الجهات الأربع، دفعا بالمئات من الصحافيين إلى تركها والنزوح منها إلى مدينة رفح أقصى جنوب القطاع، ولكن الموت خلف الستار هو تشريع لزيادة القتل. أما في شمال غزة، حيث يأكل الناس علف الدواب وحشائش الأرض، فيغرق النازحون يومياً في معركة البقاء اليومية. يجهل أكثر من 500 ألف منهم ما يعيشه «كوكب العرب». يسألنا حاج تحكي تجاعيد وجهه عن عمرٍ تجاوز السبعين خريفاً: «يا بنية، العرب شايفين شو بيصير عنا؟ طيب المسلمين عارفين إننا بنموت من القذائف والجوع والأمراض والبرد؟ بلاش ما بدنا ييجو يقاتلوا معنا، بيطلعوا مظاهرات؟»، ليجيب نفسه: «يا ويلهم من الله، يا ويلهم لو ساكتين»، قبل أن يستغرق في موجة بكاءٍ حادة.