مع بدء حرب الإبادة والتطهير العرقي التي يمارسها الصهاينة على شعب غزة، كان لافتاً نشر تغريدة من إيلون ماسك، يدعو فيها شعب منصة أكس إلى متابعة مجريات الحرب عبر حسابين على المنصة، أحدهما حساب لبناني اسمه @WarMonitors. دعوة ماسك انطلقت من خلفية زيادة عدد مستخدمي المنصة والوقت الذي يمضونه فيها، بعدما تبين نجاح ذلك الأمر مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية في 24 شباط (فبراير) 2022، وصعود حسابات نشر الأخبار و«حسابات الاستخبارات المفتوحة المصدر» (OSINT) التي يقدم المسؤولون عنها محاولة فهم أوسع للجمهور عبر استخدام الخرائط والتحقيقات الخاصة ومتابعة المجالين الجوي والبحري.
نضال خيري ــ freepalestineproject.com

قبل دعوة ماسك الجمهور إلى متابعة حساب @WarMonitors، كان الأخير ناشطاً على المنصة منذ نحو سنتين. وصل عدد متابعيه إلى أكثر من 400 ألف متابع. ومع بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع ودعوة ماسك، وصل عدد متابعي الحساب إلى أكثر من 900 ألف من كل أنحاء العالم، وخصوصاً أنّ الحساب الذي يعرّف عن نفسه بـ «ساميّ فخور» (Proud Semite) مهتم بالأخبار العاجلة والجيوسياسية، يغرد باللغة الإنكليزية بطلاقة وبشكل يبدو أنه من فئة الجيل Z أي جيل الشباب.
قبل أيام، حصلت قرصنة لحساب @WarMonitors. جُرّد الشاب الذي لم يكشف لنا عن اسمه، من مساحته الرقمية التي قرر استعمالها بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 لـ«فضح أكاذيب الاحتلال» و«نشر الأخبار الدقيقة» كما يقول في حديث له مع «الأخبار»، مضيفاً، «كوني لبنانياً، كان الأمر واجباً بالنسبة إليّ».
يتحدث الشاب باندفاع، عن فرحه الكبير يوم ذكر إيلون ماسك حسابه، مردفاً: «فرحت جداً». لكن بعدما بدأ يجد اسم الحساب في الصحف الغربية التي صنّفته بـ«المعادي للسامية»، انتابه القلق لشعوره بأنّ تلك المقالات تدعو الناس، بطريقة أو بأخرى، إلى الكشف عن هويته الحقيقية. بالنسبة إلى قرصنة الحساب، لا يعتقد أنّ منصّة X مسؤولة عن هذا الفعل، لكنهم «تعاملوا معي بشكل غريب، انتظروا أكثر من 12 ساعة قبل التحرك، ثم أقفلوا الحساب على القرصان. وبعد مرور أكثر من 120 ساعة، ما زلت غير قادر على الوصول إلى الحساب». ويضيف الشاب المجهول أنّه «تواصل مع وزير الإعلام اللبناني، زياد مكاري»، شاكراً جهد الوزارة وكل الجهات المعنية اللبنانية التي ساعدته في الأيام الأولى، لكن «للأسف، فنوع التهكير غير طبيعي أبداً. لم نصل إلى حلّ». علماً أنّ الحساب عاد إلى الشاب بعد ساعات من إجراء مقابلتنا معه. عند سؤاله عن طبيعة التدقيق على الحسابات المناصرة لفلسطين على منصة أكس، يجيب بأنه بعدما ذهب إيلون ماسك في زيارة إلى الداخل المحتل، والتقى رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، تعرّضت حسابات عدة مؤثرة على المنصة ومناصرة لفلسطين لما يعرف بالـshadow ban. والأخير عبارة عن تعتيم على الحساب، و«حسابي كان من ضمنها، لاحظت أنّ نسبة التفاعل انخفضت بشكل كبير». الشاب الذي يعتمد على تطبيق تليغرام للوصول إلى الأخبار العاجلة، إضافة إلى المصادر على الأرض في الجنوب وغزة والضفة، لا يجد بديلاً حالياً عن منصة X سوى تليغرام، لكنه يتمنّى «نشوء منصة لا تكون تحت سيطرة الصهاينة». واللافت مع حساب @WarMonitors، أنه اعتاد طوال سنتين على النشر بشكل يومي عن الحرب الروسية الأوكرانية وحروب أخرى، لكن ذلك لم يعرّض الحساب لأي مشكلة تُذكر... حصل ذلك فقط عندما بدأ «بفضح أكاذيب الاحتلال».
الحساب الذي يعرّف عن نفسه بـ «ساميّ فخور»، صاحبه لبناني من جيل الشباب


تفاقم العداء تجاه الحسابات المؤيدة للفلسطينيين على X بسبب التغييرات الأخيرة التي خضعت لها المنصة لجهة سياسات الإشراف على المحتوى. إذ تعرّضت X للهجوم والانتقادات بدعوى السماح لخطاب الكراهية ونظريات المؤامرة بالانتشار، حتى إنّ بعض المستخدمين روّجوا للعنف ضدّ الفلسطينيين، وهي منشورات لا تزال موجودة باللغة العبرية، وتدعو إلى الإبادة والقتل وتهجير الفلسطينيين. وتواجه الأصوات المؤيدة لفلسطين مضايقات ورقابة متزايدة على المنصة. كما استُخدمت المنصة من الاحتلال في حالات كثيرة لنشر معلومات مضللة وأخبار البروباغندا، والتحريض على العنف، ومضايقة الأفراد والمنظمات.
لقد أصبح هذا الوضع مقلقاً بشكل خاص بعد خسارة الصهاينة جبهة منصة التواصل. علماً أنّ المقاومة ومناصري فلسطين، يواجهون أشرس حملة تضييق في العالم الرقمي. شركة «ميتا» مع كل منصاتها تُعد قضية خاسرة، وهي التي استبدلت كلمة «فلسطيني» في تعريف حسابات المستخدمين بـ«إرهابي»، لتعود وتقول إن الأمر حصل نتيجة خطأ برمجيّ في بداية الحرب. بالنسبة إلى منصة X، فقد شرّعت الفضاء الرقمي في بداية الحرب من أجل زيادة عدد المستخدمين، لكن من أجل الحفاظ على أموال المعلنين، اختارت أن تسجد للصهاينة وتتغاضى عن شعب تسيل دماؤه كل دقيقة. كما أنّ X صارت مرتعاً لأقطاب اليمين والمحافظين الجدد حول العالم. ونجد هناك بيئة مناهضة للحزب الديموقراطي والعولمة وجماعات مؤيدة لنظريات المؤامرة. بيئة اختمرت بعد قمع استمر لسنوات قبل شراء ماسك للمنصة في 27 تشرين الأول (أكتوبر) عام 2022. كل ذلك وأكثر سيشتد ويتعاظم مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية في الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. وصار يمكن القول إنّ منصة X تحولت إلى معقل جماعات ترامب ومريديه.