يشهد المسار التفاوضي تقدّماً، وإن بطيئاً وحذِراً، نتيجة تعقيدات لا تتعلّق بتفاصيل صفقة التبادل فقط، بل أيضاً بما سيرافقها من وقف لإطلاق النار مؤقتٍ في مراحل أولى، وتريده المقاومة دائماً في مراحل نهائية، فضلاً عن مسألة المساعدات الإنسانية ورفع الحصار وإعادة الإعمار، وشكل إدارة قطاع غزة بعد الحرب، وعلاقة السلطة التي ستقوم به، مهما كانت، بالسلطة في رام الله، ووضعيّة المسار السياسي الذي يحاول الأميركيون جرّه إلى سكّة «حلّ الدولتين»، ولو بصورة رمزية فقط حالياً. كما سيتأسّس على ما ستُفضي إليه المفاوضات الحالية بين المقاومة والعدو، شكل جديد من العلاقات بين دول المنطقة وقواها، وخصوصاً أمام ما يجري الإعداد له أميركياً، من تطبيع سعودي - إسرائيلي يلي الحرب، ويترافق مع مسار سياسي فلسطيني - إسرائيلي، للوصول إلى «سلام» مزعوم.وتضغط الولايات المتحدة بقوّة لإنجاز الاتفاق خلال أيام قليلة، وربّما قبل 7 شباط الجاري، الموعد المرتقب لجلسة يعقدها «مجلس الأمن» لمناقشة قرار «محكمة العدل الدولية»، بهدف إعلانه خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، للمنطقة، والتي ستبدأ غداً، وتمتدّ 4 أيام، وستشمل السعودية ومصر وقطر والكيان ورام الله. كما يدفع الأميركيون في اتجاه إدخال تعديلات على ورقة باريس، تقضي بتمديد الهدن المفترضة لأطول فترة ممكنة، ربطاً بكون «المقاومة لا تملك ضمانات حول التزام العدو بالصفقة، ولذلك هي تريد وضع ضوابط من جانبها». ومن بين التعديلات المقترحة، تمديد العملية لتصبح على 4 مراحل (بدلاً من 3)، هي الآتية:
- الأولى: كبار السن والنساء والأطفال.
- الثانية: المجنّدات.
- الثالثة: العسكريّون من الرجال.
- الرابعة: جثث جنود العدو ومستوطنيه.
ويُصار في المرحلة الأولى إلى إطلاق سراح كبار السن والنساء والأطفال (حوالي 36 شخصاً)، مقابل نحو 3 آلاف أسير فلسطيني، بينهم من اعتُقل بعد 7 تشرين الأول، سواء في قطاع غزة وغلافه، أو في الضفة الغربية والقدس، إضافة إلى الأسرى الذين سبق أن حُرّروا في صفقة «وفاء الأحرار» (شاليط) عام 2011، ثم أعاد العدو اعتقالهم، والمرضى وكبار السن من الذين يقضون محكوميات عالية. وبحسب مصدر متابع للمفاوضات، فإن «البحث في الضمانات وآليات التنفيذ، اشتمل على فكرة أن تُطلق المقاومة أسيراً واحداً كل يوم، مقابل 100 أو 150 أسيراً فلسطينياً»، خصوصاً أن «عملية التبادل السابقة أظهرت أن الآلية التنفيذية معقّدة، ولذا، فالمقاومة لا تريد ترك أي مجال لأي مناورة إسرائيلية». ووفق المصدر نفسه، فإن «العدو لا يزال يحاول الحصول مُسبقاً على قائمة كاملة من جانب المقاومة بكل الأسرى الموجودين لديها، سواء أكانوا أحياء أم أمواتاً. وإن إسرائيل تصرّ على مطابقة اللائحة المُقدّمة من قبل المقاومة، مع لائحة المفقودين لديها»، وذلك بهدف إلزام حركة «حماس» بالحصول مُسبقاً على موافقة جميع الفصائل على الصفقة، وصولاً إلى أن يصبح جميع الأسرى في قبضتها وحدَها. لكنّ مصدراً فلسطينياً يوضح أن «هذا الأمر غير ممكن لأسباب مختلفة، وأن هنالك قضية يتجاهلها العدو، تتعلّق بالجثث، حيث إن عدداً من الأسرى قُتلوا في غارات إسرائيلية، وربّما لا يزالون تحت الأنقاض، والمقاومة تحتاج إلى وقت كافٍ للوصول إلى جثثهم، علماً أن بعضهم قُتلوا مع المجموعات التي كانت تتولّى رعايتهم، والانتقال بهم من مكان إلى آخر، بحسب الظروف، قبل أن ينقطع الاتصال معها منذ وقت ليس بقصير».
أما بشأن المراحل التالية، فإن «المقترح يقول بأن تمتدّ كل فترة هدنة لنحو 35 يوماً، على أن تضمن الولايات المتحدة أن لا تقوم إسرائيل بأي خرق لوقف إطلاق النار، وأن تعمل على سحب قوّاتها من المدن والأحياء خلال هذه المدة». لكن، بحسب المصادر، فإنه «لا حديث عن انسحاب كامل من القطاع حالياً». وتنقل المصادر عن الوسطاء من مصر وقطر، قولهم إنهم «يسمعون كلاماً أميركياً عالي النبرة، بأنه لن تكون هناك عودة إلى الحرب، وأن الحكومة الإسرائيلية ستكون في وضع يُلزمها بالبحث عن مخرج»، فيما يكرّر الوسطاء، بدورهم، «أمام فصائل المقاومة أن إعلان وقف الحرب وفكّ الحصار وإطلاق عملية إعادة الإعمار، يجب أن يسبق كلَّ ذلك اتفاقٌ سياسي على مستقبل الوضع في غزة». ومن هنا، عاد المصريّون إلى طرح فكرة تشكيل «حكومة تكنوقراط»، لا يكون لـ«حماس» أي تمثيل فيها، وأن تكون مكوّنة من شخصيات «مقبولة شعبياً»، و«قادرة على التواصل مع العالم الخارجي لأجل إطلاق خطة الإعمار».
ويوم أمس، أكّد رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، والأمين العام لحركة «الجهاد الإسلامي»، زياد النخالة، أن «دراسة المقترح الجديد ترتكز على أساس أن تُفضي أي مفاوضات إلى: إنهاء العدوان كليّاً وانسحاب جيش الاحتلال إلى خارج القطاع، ورفع الحصار والإعمار وإدخال كلّ متطلبات الحياة لشعبنا، وإنجاز صفقة تبادل متكاملة». كذلك، جرى تواصل بين هنية ونائب الأمين العام لـ«الجبهة الشعبية»، جميل مزهر، حيث تمّ تأكيد الموقف نفسه.