لم يفاجئ ردّ إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، على مقتل ثلاثة جنود أميركيين في الأردن، العديد من المراقبين والمحلّلين الغربيّين، الذين لم يروا في الضربات الأميركية الـ«واسعة النطاق»، سلوكاً خارجاً عن ما بات مألوفاً منذ بدء الحرب على غزة، أو كافياً لوضع حدّ لاستهداف المصالح الأميركية في المنطقة، وإعادة أيّ شكل من أشكال «الردع» الفعلي مع إيران، الأمر الذي جعل الهجمات الأخيرة «متوقعة» إلى حدّ كبير، ومتماشية مع المواقف «التعجيزية» التي تصطدم بها الإدارة الأميركية أخيراً. وفي السياق، أوردت شبكة «سي أن أن» تقريراً جاء فيه أنّ خيار بايدن كان «واضحاً ومحسوباً» ومحكوماً بالتعقيدات التي تواجهها إدارته، باعتبار أنّ الأخيرة وجدت نفسها أمام مهمة «شبه مستحيلة»، تفرض توجيه ضربة وازنة إلى إيران وحلفائها، وفي الوقت عينه ضمان عدم تلقي أي رد واسع النطاق من خصومها هؤلاء. كما أنّ واشنطن، طبقاً للمصدر نفسه، عمدت طوال الخمسة أيام الماضية، إلى تمرير «رسائل» عن طبيعة ردّها، على لسان عدد من المسؤولين الأميركيين الرفيعي المستوى، الذين تحدّثوا عن «طبيعة الأخير وقوته»، ملمحين حتى إلى الأهداف المحتملة له. ويعود ذلك على الأرجح إلى أنّ الولايات المتحدة تريد الحدّ من خطر حصول «أي سوء تقدير»، وحتى «تمكين الميليشيات المستهدفة من تغيير مواقعها»، وبالتالي تقليص الخسائر في الأرواح. ويضاف إلى ما تقدّم، أنّ «السلوك» الأميركي الذي سبق شنّ الهجمات الأحدث، ربما كان يهدف إلى التأكيد أنّ الولايات المتحدة هي من تقف خلفها، لا إسرائيل، بغرض منع توجيه أي ضربات انتقامية إلى الأخيرة، والمخاطرة بمزيد «من التصعيد».وعليه يرى مراقبون أنّ «الانتقام» الأميركي، يبدو، حتى اللحظة، غير مصمم للمخاطرة بأي توسيع للصراع في الشرق الأوسط، رغم أنّ وسائل الإعلام الغربية كانت قد نقلت عن عدد من مسؤولي الدفاع والخبراء الأميركيين، في أعقاب الإعلان عن أول حصيلة وفيات لجنود أميركيين في المنطقة في ثلاث سنوات، قولهم إنّ ردّ بايدن قد يشمل ضرب أهداف «في عمق إيران»، خصوصاً مع ازدياد الأصوات التي تدعو إلى تغيير النهج إزاء طهران واتباع آخر «أشد»، بعدما فشلت إستراتيجية بايدن في تطويق الأخيرة وردعها، أو ردع حلفائها. وعلى ضوء ما تقدم، اعتبر البعض أنّ الهجوم الأميركي على مواقع في العراق وسوريا، ورغم أنّه «ثاني أكبر هجوم منذ بداية الحرب»، لا يرقى مثلاً إلى مستوى عملية اغتيال قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري الإيراني»، الجنرال قاسم سليماني، في عام 2020، إلا أنّ الفرق الرئيسي، طبقاً لأصحاب هذا الرأي، هو أنّ الوضع في المنطقة لم يكن، آنذاك، بمثل هذه الهشاشة، التي دفعت بعدد من المسؤولين الغربيين، والأوروبيين تحديداً، إلى التحذير من انفجار الأوضاع. ومن بين هؤلاء، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الذي شبّه المنطقة، في أعقاب الضربات الأميركية الأحدث، بـ«برميل البارود» القابل للانفجار في أي لحظة.
وفي مقابل الدعوات إلى تصعيد الصراع لـ«وضع حدّ» لإيران، يؤيد بعض المراقبين قرار بايدن عدم توسيع الحرب، وبالتالي إرسال عدد أكبر من الجنود الأميركيين لـ«يموتوا في صراع أوسع»، انتقاماً لثلاثة من رفاقهم، معتبرين أنّ موقف الإدارة لا يعكس «ضعفاً»، بل «اسخداماً محسوباً للقوة»، ومشيرين إلى أنّ تصعيد ترامب ومواقفه «الجريئة»، لم يمنعا المنطقة من الوصول إلى هذه النقطة. وعن «نتائج» الرد الأميركي «المحسوب»، أورد «المجلس الأطلسي» تقريراً جاء فيه أنه في حين أنّ الضربات الأميركية يمكن أن تُلحق ضرراً بـ«كتائب حزب الله» في العراق، إلا أنّه ما من عملية عسكرية أميركية بحتة ستكون قادرة على «استرجاع الردع» مع إيران تحديداً، ولا سيما أنّ الأخيرة «واثقة» من عدم وجود أي نية أميركية للدخول في حرب جديدة، ما سيدفعها إلى الاستمرار في «دعم وكلائها وتنميتهم».

انعقاد مجلس الأمن
على أن الانتقادات التي طاولت الرد الأميركي الأخير، لم تقتصر على المحللين والمسؤولين الغربيين، إذ دعت روسيا، من جهتها، إلى عقد اجتماع لـ«مجلس الأمن»، لبحث «التهديد الذي يتعرض له السلام والأمن نتيجة الضربات الأميركية على سوريا والعراق»، فيما رجّحت مصادر ديبلوماسية أن ينعقد الاجتماع المشار إليه اليوم الإثنين. وطبقاً لموسكو، فإنّ واشنطن تسعى إلى تسعير الصراع في المنطقة، بدلاً من تهدئته. وفي السياق، قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في منشور عبر «تلغرام»، إنّ الهجمات الأخيرة تعكس الطبيعة «العدوانية» للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، مشيرةً إلى أنّها تهدف أيضاً إلى «جر دول المنطقة الكبرى إلى الصراع».