غزة | بعد نحو 122 يوماً من الحرب على قطاع غزة، يثير حضور الأجهزة الحكومية، الأمنية منها والصحية وحتى الاجتماعية، قلق جيش الاحتلال، ولا سيّما في منطقة شمال قطاع غزة، حيث بذلت الدبابات الإسرائيلية، ولا تزال، جهداً مستمراً، كان من المفترض أن يحقق على الأقل، تقويض منظومة حركة «حماس» الحكومية، فضلاً عن استعادة الجنود الأسرى وتدمير البنى التحتية العسكرية للحركة. وفي المقابل، بدا واضحاً أن «حماس» تحاول إعادة تفعيل كلّ منظومات العمل الحكومية والبلدية، رغم تعرض الأخيرة لتدمير شبه كلي لمقدّراتها، من معدات ومبانٍ وحتى الجسم الوظيفي الذي استشهد منه العشرات.إلا أن تلك التحديات لم تمنع الجهود الطوعية، إذ سارع الأهالي إلى تنظيم لجان محلية تتولى مَهمّة تنظيف الشوارع وتشغيل آبار المياه، خلال الأسابيع الماضية، على وقع الانسحابات الإسرائيلية المتتالية من مناطق واسعة في الشمال، فيما سعت الأجهزة الأمنية إلى تنظيم جولات دورية لمحاولة ضبط أسعار السلع الأساسية، مثل الأرز والبقوليات. على أن المعضلة التي تحول دون تحقيق الهدف الأخير، تتمثل في الشح الشديد في هذه البضائع في مقابل زيادة الطلب عليها، بالإضافة إلى طريقة الاستحصال عليها، حيث تخوض مجموعة من المغامرين رحلات محفوفة بالموت، لاستخراجها من المستودعات المقصوفة في المناطق الطرفية الخطيرة.
وعلى الصعيد الأمني أيضاً، تنشط أجهزة أمن المقاومة بشكل غير معلن، في ملاحقة العملاء ومثيري الشغب والشائعات، فيما حاولت أجهزة الشرطة نشر حواجز لها في مداخل الأحياء التي انسحب منها جيش الاحتلال أخيراً في شمال غرب مدينة غزة، حيث وقف العشرات من رجال الشرطة حاملين الأسلحة الفردية، وصادروا كل ما استخرجه الأهالي من أجهزة كهربائية وألواح طاقة شمسية، ومقدّرات غير غذائية، في حين سمحوا بعبور من يحمل الطحين والأغذية، بمعزل عن مصدرها. يقول أحد رجال الأجهزة الأمنية: «مهمتنا الحد من السرقات، وحفظ أملاك المواطنين الغائبين. من يستطيع استخراج غذاء من بيته أو بيت جيرانه، لا نعترض طريقه. نحن في أشهر الرمادة. يخوض الجميع معركة مع الجوع والعطش. نطبّق القوانين بشكل نسبي».
إلا أن الأزمة الكبرى التي تعترض الأجهزة الأمنية تحديداً، هي الاستهداف المتكرر من جيش الاحتلال، حيث تقصف الطائرات المُسيّرة كل محاولة لتأمين المساعدات، أو تنظيم عملية توزيعها. وحول ذلك، يقول مصدر أمني، في حديث إلى «الأخبار»، إن «دوريات الشرطة تعرّضت للاستهداف عشرات المرات، قرب مفترق الكويت وعلى شارع الرشيد، حينما حاولت تسلّم بعض المساعدات التي تصل بين الفينة والأخرى. العدو يصر على إشاعة أجواء من الفوضى، حتى تستمرّ حالة الجوع والعوز».
أما المنظومة الصحية، فيمكن القول إنها الأكثر استقراراً رغم ما تعرّضت له من تدمير جزئي لكلّ مستشفيات شمال القطاع، حيث أعاد الأطباء تشغيل مستشفيات «كمال عدوان» و«الشفاء» و«المعمداني» و«الخدمة العامة»، وإن بشكل جزئي. وفي السياق، يفيد مصدر في وزارة الصحة، «الأخبار»، بأن «الطواقم الطبية لبّت نداء الواجب، وهرع من بقي في شمال غزة للخدمة في المستشفيات، رغم أننا لم نستطع أن نقدم لهم إلا القليل من المساعدات»، مضيفاً «(أننا) استطعنا إعادة الشعور بالأمل للمحاصرين في شمال القطاع، من خلال تثبيت وجود كادر صحي يعمل مع حالات الطوارئ، ويقدم الاستشارة الطبية للمرضى والحالات السريرية».