رغم التصريحات المكرورة لزعيم «المعسكر الوطني»، ووزير «مجلس الحرب»، بيني غانتس، والتي أعاد عبرها تذكير قاعدته الانتخابية أولاً، ومطالبيه بالانسحاب من «حكومة الطوارئ» التي يقودها بنيامين نتنياهو ثانياً، بأن القفز من مركب هذه الحكومة هو أمر «ليس مطروحاً» من ناحيته، تُظهر تحركاته «خلف الكواليس» عكس ذلك تماماً. إذ كشفت «إذاعة الجيش الإسرائيلي» أن جهات في كتلة «المعسكر الوطني»، حاولت إقناع وزراء وأعضاء «كنيست» في حزب «الليكود»، الذي يتزعّمه نتنياهو، بالإطاحة بالأخير في الولاية الحالية لـ«الكنيست»، على خلفية التوتر داخل الحكومة والخلافات التي ما فتئت تتفاقم حول أكثر من عنوان.وفي التفاصيل التي أوردتها الإذاعة، توجه مبعوثون من قِبل غانتس إلى شخصيات في «الليكود»، وأبلغوهم أنه «في حال نجاح محاولة نزع الثقة عن نتنياهو في الكنيست، بحيث لا يتم إسقاط الحكومة وإنما رئيسها فقط، فإن المعسكر الوطني سيعبأ بمستقبلهم السياسي»، في إشارة إلى ضمان مناصب وزارية أو سياسية لهم في حكومة جديدة.
ووفقاً لخطة «المعسكر الوطني»، فإن المطروح أن يترشّح عضو في «الليكود» لمنصب رئيس الوزراء، لمدة محددة، على ألا يكون في المستقبل مرشحاً للمنصب ذاته كي لا يشكل تهديداً على أعضاء «كنيست» آخرين من الحزب نفسه، يتنافسون على خلافة نتنياهو في رئاسة الحزب والحكومة. إلّا أن هذه الخطّة لا تحرّكها الخلافات المتفاقمة فقط، بل يبدو الطموح السياسي لغانتس حاضراً فيها، وخصوصاً مع تصاعد شعبيته وشعبية حزبه في استطلاعات الرأي الإسرائيلية، والتي تُظهر ازدياد قائمته بأكثر من 20 مقعداً، ليحصل على ما بين 32 و40 مقعداً، فيما يتقدّم أيضاً في السؤال حول الشخصية الأنسب لرئاسة الحكومة في نظر الإسرائيليين.
وبما يتّسق مع تلك الأرجحية، كشفت هيئة البث الإسرائيلية (كان 11)، أخيراً، أن عدة دول عربية بدأت، أخيراً، التواصل مع غانتس لاعتقادها أنه المرشح الأبرز لرئاسة الحكومة المقبلة، وذلك بموازاة انعدام ثقتها بنتنياهو. ونقلت الهيئة عن مصدر ديبلوماسي عربي قوله إن «مسؤولين كباراً من دول عربية يجرون محادثات خلال فترة الحرب المتواصلة، مع غانتس، انطلاقاً من اعتقادهم بأن الأخير سيكون الرئيس المقبل للحكومة الإسرائيلية». وأضافت أن «عدداً غير قليل من دول المنطقة ينظر إلى غانتس باعتباره الشخصية الإسرائيلية التي تتحلّى بالمسؤولية في الحكومة الإسرائيلية مقابل الجناح اليميني المتشدّد، وأنه شخص يكبح السلوكيات المتهوّرة من جانب نتنياهو ووزرائه». وتطرّق الديبلوماسي العربي ذاته، والذي لم تكشف «كان 11» عن هويته، إلى مسألة «انعدام الثقة المتزايد عند الدول العربية بالحكومة الحالية»، الأمر الذي حوّل غانتس إلى الشخصية التي «تتصدر اهتمامات المسؤولين العرب»، لافتاً إلى أن الدول العربية تتابع استطلاعات الرأي بـ«اهتمام بالغ»، وباتت تعتقد على إثر هذه المتابعة بأن المستقبل في انتظار غانتس.
وعلى الرغم مما تقدم، وكثرة الحديث في وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن اقتراب موعد نهاية حكومة نتنياهو، يبدو احتمال الانتخابات في العام الجاري بعيداً، وخصوصاً مع استمرار الحرب، التي تجعل من احتمال كهذا شبه معدوم. فحتى انتخابات المجالس المحلية تأجّلت منذ بدء القتال، مرتين على التوالي، وقد تتأجل مجدداً بعدما أُقرت في الـ27 من الشهر الجاري، في حين لم تنشر لجنة الانتخابات المركزية إلى الآن، تعليماتها بشأن المواعيد الإجرائية، رغم أن القانون يفرض ذلك. وبناءً على ما سبق، يمكن قراءة تحركات غانتس، الذي يدرك صعوبة تفكيك الائتلاف الحالي لما يحتلّه «الليكود» من موقع رئيس فيه، وهو ما يحرّكه في اتجاه محاولة التأثير على وزراء وأعضاء في الحزب المذكور، من طريق إغراء بعضهم بمستقبل مضمون في حكومة جديدة، وتولّي رئاستها لمدة.