في ضوء ما فرضته الحرب من متغيّرات، دُفع بمشروع قانون التجنيد الجديد إلى "الكنيست" للتصويت عليه، بناءً على طلب جيش الاحتلال، فيما يتوقّع أن يمرّ القانون في مسار تشريعي يرفع سنوات الخدمة للجنود النظاميين حتى ثلاث سنوات، بعدما استقرّت على 32 شهراً على مدى أكثر من تسعة أعوام. أمّا بالنسبة إلى فترة الخدمة العسكرية للإناث، فلا يقترح المشروع تغييرها، بحسب ما ذكر موقع «واينت»، مضيفاً أنه في وقت لاحق من العام، من المتوقّع وضع آلية تفاضلية من شأنها تقسيم مدّة الخدمة بين «مجتمع الضباط الخلفيين، والمقاتلين»، على أن تُطبّق فترة الثلاث سنوات في الخدمة الثابتة، على الجنود المقاتلين وأولئك الذين يعملون في الوحدات التكنولوجية.
وعلى إثر مناقشات بين الجيش ووزارة المالية، تقرَّر أن يُطبّق القانون أيضاً على المجنّدين في الخدمة الفعلية بأثر رجعي، على الرغم من الطبيعة الإشكالية لذلك، وخصوصاً بالنسبة إلى الذين جُنّدوا بالفعل قبل الحرب، وخدموا لمدّة 32 شهراً. ويخطّط الجيش لتخصيص راتب ثابت يصل إلى ما بين 5000 و8000 شيكل شهرياً، عن كل شهر خدمة إضافي لغاية استكمال هؤلاء الـ 36 شهراً. وستطاول مدّة الخدمة، المُعدّة أيضاً للسنوات المقبلة وليس لسنة الحرب الحالية فقط، الجنود في الخدمة الاحتياطية، على أن يسرَّحوا في عمر 40 - 46 عاماً. أمّا الضباط فسيسرَّحون في عمر الـ 50، فيما يصبح جيل التطوّع مفتوحاً حتى سنّ الـ 66.
ووفق ما كشفه الموقع، تطوّع للاحتياط، منذ بدء الحرب في غزة، 50 ألفاً من الذكور، و40 ألفاً من الإناث، بالمقارنة مع حرب تموز 2006 التي تطوّع فيها مئات الاحتياطيّين. ولفت «واينت» إلى أنه «ليس فقط سنّ الإعفاء لجنود الاحتياط هي التي سترتفع، وإنّما أيضاً مدّة خدمتهم؛ فبحسب القانون الجديد، فإن كلّ جنديّ في الاحتياط عليه أن يقوم بالخدمة العادية السنوية لمدّة أسابيع. وفي الواقع، فإن المدّة المطلوبة للخدمة، بالمقارنة مع الحال اليوم، ستصبح: 42 يوماً للجندي، 70 يوماً لقادة الكتائب، و84 يوماً للضباط. وفي الصيغة الحالية، يؤدي الجندي في الاحتياط خدمة من أسبوع إلى أسبوعين في السنة الأولى؛ و21 يوماً في الخدمة التشغيلية في السنة الثانية؛ وفي السنة الثالثة، لا يُستدعى للخدمة إن وافق فقط على القيام بعدّة أيام تدريبية، ما يعني أنه في حال سُنّ القانون بصيغته الجديدة، فإن كل الفترات السابقة ستتضاعف أربع مرات». وسيتيح النصّ الجديد للقانون استدعاء مقاتلي الاحتياط خلال الأسابيع القريبة، وذلك استناداً إلى القانون نفسه وليس الأمر الرقم 8. وهناك في الجيش، اليوم، عشرات آلاف الاحتياطيين الذين يقاتلون منذ أربعة أشهر متواصلة، فيما سُرّح جزء منهم، على أن يُستدعى هؤلاء في الأشهر القريبة للخدمة مجدداً. أيضاً، لم يقتصر التزام جنود الاحتياط على التشكيلات القتالية فحسب؛ إذ حشدت الوحدات التكنولوجية خلال الحرب، حوالي 20 ألف مبرمج ومهندس «سرّعوا في تطوير وتنفيذ مختلف الوسائل القتالية، والبرمجيات التشغيلية لمصلحة الجهد العملياتي». في المقابل، يَعد الجيش بأن تستمرّ المكافآت المالية لجنود الاحتياط، سواء عبر صندوق المساعدة، أو عبر الميزانية التي سترتفع قريباً إلى حوالي 450 مليون شيكل «على الأقل في الأشهر المقبلة».
من جهة ثانية، فإن قانون التجنيد الجديد لن يؤثّر فى القطاعات المعفاة من الخدمة، مثل "الحريديين" وفلسطينيّي الـ 48. ووفقاً لمعطيات الجيش، فإن 450 متطوّعاً فقط من اليهود المتشدّدين تطوّعوا في الجيش في بداية الحرب، في ما يُعرف باسم «المرحلة ب»، والتي تتألّف من نوبة خدمة قصيرة، سُرّحوا على إثرها على أن يُستدعوا لاحقاً وفقاً للحاجة. ولكن القطاعَين العلماني و(الصهيوني) الديني سيتأثران بشكل مباشر؛ إذ وفقاً للموقع، رصد الجيش ارتفاعاً طفيفاً، منذ بدء الحرب، في عدد المجندين في كتيبة «نتساح يهودا» ومثيلاتها في لواءي «جفعاتي» و«المظليّين»، من بين عشرات الشباب الذين تحدّدهم الدولة على أنهم «أرثوذكس».
أيضاً، تخطّط شعبة القوى البشرية لزيادة التشكيلات الدائمة البالغ عديدها حالياً 40 ألفاً إلى عدد لم تحدّده لغاية الآن. وأما جنود الاحتياط، فيقدّر الجيش الزيادة فيهم هذا العام، بأكثر من خمسة أضعاف ما يسجل العام العادي (عام لا حرب فيه). وطبقاً للموقع، فإن الجيش سيعتمد لاحقاً، بشكل أساسي، على 10% من هؤلاء. وفي السياق نفسه، ذكر الموقع أن الجيش يعترف بأن الاحتياطيّين من الطلاب الجامعيين ما زالوا يتضرّرون بسبب الالتزام الجزئي في المؤسسات التعليمية، وبمشكلة أخرى تتعلّق بمئات منهم يدرسون في الخارج وجاؤوا للخدمة عندما اندلعت الحرب. أما صندوق المساعدات الذي أنشأه الجيش لجنود الاحتياط، فقد استجاب لمشاكل هؤلاء بنسبة 51%.
كذلك، ذكر الموقع أنه مع إعادة هيكلة الجيش، تقدّر شعبة القوى البشرية أنه ستكون هناك حاجة إلى «جيش كبير، مُدرّب، وقوي»، وليس إلى «جيش صغير وذكيّ ورخيص»، نظراً إلى كثرة الجرحى والقتلى، والتي تُحتّم تجنيداً فورياً لـ 1400 جندي إضافي بالفعل في دورة آذار. كما تقدّر الشعبة أنه ستكون هناك حاجة إلى 34 ألف جندي إضافي مستقبلاً، مشيرة إلى أن هناك نقصاً يُقدّر بـ 3500 جندي. ووفق معطيات الشعبة، سقط في الحرب 563 جندياً، حوالي 40% منهم في المناورة البرية، نصفهم جنود احتياط. كما أن الجيش عالج، حتى الآن، 13 ألف مصاب، 2830 منهم عُولجوا في المستشفيات لوقت قصير قبل تسريحهم. أيضاً، رافقت شعبة القوى البشرية 1068 أباً وأماً من ثكالى حرب، و1782 أخاً وأختاً فقدوا أخاً، و116 أرملة، و797 طفلاً من عائلة فقدت أحداً، و352 يتيماً، و18 خطيبة أو عُرّفن في المجتمع على أنهنّ فقدن زوجاً. إضافة إلى ما تقدّم، فإن 1800 جندي عولجوا في المراكز العسكرية التي تقدّم مساعدات نفسية، و150 تلقّوا إعفاءً بناءً على حالتهم النفسية، و26 ألف مقاتل شاركوا في ورش عمل على مدار أيام للتغلّب على التجارب النفسية التي عايشوها.


من هم معارضو القانون؟
أثار قانون التجنيد المثير للجدل حفيظة أعضاء ووزراء في معسكرَي المعارضة والائتلاف الحاكم، من الذين أعلنوا أنهم لن يدعموا قانوناً "يعفي فئة دون غيرها" من واجب أداء الخدمة العسكرية. ومن المتوقّع أن تعارض كتلة «المعسكر الوطني»، بقيادة وزير «مجلس الحرب»، بيني غانتس، القانون، إذ قال زميل الأخير في الكتلة، حيلي تروبر، إن «المئات من جنود الجيش سقطوا في الحرب، وأصيب الآلاف. وعلى خلفية نية وضع عبء آخر على أكتاف هؤلاء، لا بد من قول الحقيقة: القتلى لا يأتون من كل قطاعات (المجتمع الإسرائيلي). في الواقع، يتطوّع كثيرون من القطاع الأرثوذكسي المتطرّف (الحريديين)، ويدرسون، ويزورون الجرحى، ولكنهم لا يشاركون بقية القطاعات عبء الخدمة. لا أقول ذلك لا سمح الله في سبيل الشرخ، وليس على الإطلاق من دافع كراهية المتشدّدين. إنه من أجل حبّ إسرائيل». واعتبر أنه في حين أن «خدمة الشباب ستمتدّ لثلاث سنوات، فإن أقرانهم لن يخدموا يوماً واحداً (...) إن فكرة أن الآباء والأمهات سيتركون أطفالهم، ويخسر الطلبة سنة من الدراسة، وآخرون ستتضرّر أرزاقهم لعشرات الأيام الاحتياطية الأخرى في السنة بينما لن يخدم آخرون على الإطلاق، هو أمر لا يطاق. هذه ليست مسألة كراهية أو حقد، إنها مسألة صدق وعدالة وأخوّة ووحدة حقيقية».
من جهته، انتقد رئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، القانون بشدّه، متّهماً «حكومة الخراب» بأنها «أثبتت مرّة أخرى أنها تفضّل المصالح الائتلافية الضيقة على أمن الدولة»، معتبراً أن مشروع القانون «ينطوي على تمييز ويمسّ بوحدة الشعب والقوة الوطنية. الجنود النظاميون والاحتياط سيخدمون أكثر من غيرهم الذين لا يخدمون اليوم وسيستمرون في عدم الخدمة». وتوجّه إلى غانتس وآيزنكوت، قائلاً: «أتوقع أن يقول رئيسا الأركان السابقان بصوت عالٍ إنه إذا تمّت الموافقة على مشروع القانون، فإنهما سيستقيلان منها». وكشف أن «جنود الاحتياط يتّصلون بغانتس وآيزنكوت ويطالبونهما بعدم المساعدة في تقسيم الأمة إلى قسمين».
بدورهم عبّر أعضاء كنيست ووزراء في الائتلاف الحاكم عن نيتهم التصويت ضدّ القانون. ومن بين هؤلاء، طالي غوتليب، وموشيه سعادة من «الليكود»، فيما توجّه الوزراء في كتلة «الصهيونية الدينية»، بتسلئيل سموتريتش، وإيتمار بن غفير، وعميحاي إلياهو، إلى الشباب «الحريديين» بلهجة ودودة، طالبين منهم الانضمام إلى الخدمة الوطنية في قطاعات عديدة، معتبرين أن تجربة «الصهيونية الدينية» أَثبتت أنه يمكن لليهودي المتشدّد خدمة إسرائيل أمنياً وعسكرياً، وفي الوقت ذاته الحفاظ على أداء الواجبات والالتزامات الدينية. ومن المتوقّع أن تدعم الكتلة القانون، بصيغته المطروحة.