رام الله | أَطلقت إسرائيل، منذ السابع من أكتوبر، العنان لجنون مستوطنيها في الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلّة، لارتكاب ما يحلو لهم من مجازر بحقّ الفلسطينيين، رافعةً أيضاً الكوابح عن البناء الاستيطاني، من دون أيّ اكتراث للانتقادات الدولية الخجولة، ومستغلّةً حرب الإبادة التي ترتكبها في قطاع غزة، لتمرير ما لديها من مخطّطات، كشفت صحيفة «هآرتس» العبرية، يوم أمس، آخر فصولها. ويبدو أن حكومة بنيامين نتنياهو تتجه، في هذا السياق، إلى إنشاء حيّ يهودي جديد في القدس الشرقية، يحمل اسم «نوبي راحيل»، وسيضمّ 650 وحدة سكنية ستُبنى على بعد أمتار قليلة من منازل السكان الفلسطينيين في حيّ أم طوبا جنوب شرق المدينة، بحسب المخطّط الأوّلي. وذكرت الصحيفة أن مشروع الحيّ هو «نتيجة لمبادرة مشتركة بين المشرف العام في وزارة العدل الإسرائيلية، وشركة عقارية يسيطر عليها نشطاء يمينيون، ويُعدّ واحداً من أربعة أحياء استيطانية روّجت لها السلطات الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، في الجزء الشرقي من مدينة القدس».وتتماهى حكومة الاحتلال ومؤسّساتها مع توجّهات الجماعات اليمينية المتطرّفة، فيما تتواطأ المحاكم مع تلك الجماعات لتسهيل تهويد القدس، على غرار القرار المؤقت الذي صدر في السادس من الجاري، وقضى بإغلاق موقف مركبات أرض سوق الجمعة، قرب الزاوية الشمالية الشرقية لسور القدس. وكانت طواقم بلدية الاحتلال، وما يسمّى «سلطة الطبيعة»، قد اقتحمت الأرض المذكورة في اليوم السابق، وجرفتها وأغلقتها، علماً أن المكان المستهدَف ملاصق للمقبرة اليوسفية التي تعرّض جزء منها أيضاً للسلب بهدف إقامة «حديقة وطنية»، مجاورة لسور القدس وبابَي الأسباط والساهرة. ودائماً ما حاولت بلدية الاحتلال الاستيلاء على هذا الموقف بحجّة قربه من السور الشرقي للبلدة القديمة، وباعتباره جزءاً من الحدائق التهويدية المحيطة بمدينة القدس. وجرى ذلك من خلال قضايا رفعتها على أصحاب الأرض منذ عام 2018، لكنها فشلت في إثبات الملكية العامة للموقف، الذي تبلغ مساحته 1260 متراً مربعاً، ما دفعها إلى إصدار أمر بالاستيلاء على الأرض، ووضع نصب للجندي المجهول على مدخل المقبرة اليوسفية الملاصقة للسور الشرقي، قبل أن تقرر محكمة الاحتلال إغلاق المكان إلى أن تبتّ في ملكيّته.
وبحسب الخبراء، فإن هذه المنطقة مستهدَفة لمصلحة مشروع استيطاني يتضمن إقامة 32 وحدة سكنية في داخل البلدة القديمة، وتحديداً في منطقة برج اللقلق، حيث تتذرّع سلطات الاحتلال بأن المنطقة تم تخصيصها عام 1966 (إبان العهد الأردني) لإقامة حديقة للفلسطينيين، وبأنها سُجّلت باسم بلدية القدس آنذاك، ما يعني تالياً أن البلدية الحالية هي الوريثة.
تتعرّض مقابر المسلمين في القدس لحملة اعتداءات متصاعدة على غرار ما تتعرّض له المساجد


وسيشكّل إنشاء بؤرة استيطانية في منطقة برج اللقلق خطوة كبيرة نحو تهويد البلدة القديمة في القدس، وخاصة أن البرج يقع في الزاوية الشمالية الشرقية من سور القدس، ويعود إلى ما قبل 660 عاماً، فيما يُعدّ من أشهر معالم المدينة. ويجسّد الاستيطان فيه الاستراتيجية الإسرائيلية القائمة على مصادرة الأراضي تحت مسمّيات المصلحة العامة، ومصادرة أملاك «الغائبين»، ومن ثم البدء بتطويق الأحياء الفلسطينية بالمستوطنات الإسرائيلية، قبل اختراقها بالبؤر الاستيطانية.
على أن الكشف الاستيطاني الأخير، لم يكن الوحيد منذ بدء العدوان على غزة؛ ففي كانون الأول الماضي، صادقت سلطات الاحتلال على قرار بناء «أول مستوطنة جديدة في القدس الشرقية منذ عام 2012»، يوضح مخطّطها أنها تضمّ 1,792 وحدة سكنية، ستقام على أراضي بلدة صور باهر في القدس الشرقية. وحول هذا المشروع، قالت منظمة «عير عميم» الحقوقية الإسرائيلية، إنه «لولا الحرب لأُثيرت ضجّة كبيرة، إنه مشروع إشكالي للغاية بالنسبة إلى امتداد الدولة الفلسطينية بين جنوب الضفة الغربية والقدس الشرقية»، متّهمةً سلطات الاحتلال باستغلال الحرب على غزة لبناء هذه المستوطنة، ومحذّرةً من تداعيات ذلك على المستقبل السياسي للمدينة.
وإلى المشاريع الاستيطانية، ارتفعت وتيرة اعتداءات المستوطنين في القدس، ومنها استيلاؤهم على مسجد عكاشة شمال غرب القدس، وتحويلهم إياه إلى كنيس يهودي، بزعم أن فيه قبراً يعود إلى بنيامين، شقيق النبي يوسف. وقد وضع المستوطنون شمعدانات داخل المقام ولفائف توراتية، وشرعوا يصلّون أمام شواهد قبور إسلامية مغطاة بأقمشة بيضاء. وكان المسجد قد تعرّض، خلال أحداث «ثورة البراق» في آب عام 1929، لاعتداءات كبيرة من المستوطنين، حيث جرى تدمير محتوياته بعد اقتحامه وتدنيسه. وبعد احتلال القدس عام 1948، أُغلق المسجد بشكل كامل ونهائي، وتحوّلت المنطقة المحيطة به إلى أحياء للمستوطنين، علماً أن بناءه الأول يعود إلى العهد المملوكي، والحالي إلى الفترة العثمانية، وهو يحظى بموقع استراتيجي على طريق القدس - يافا، استخدمه المسافرون كمحطّة استراحة.
كذلك، تتعرّض مقابر المسلمين في القدس لحملة اعتداءات متصاعدة، لم تقتصر على مقبرة اليوسفية أو مسجد عكاشة، بل استهدفت أيضاً مقبرة باب الرحمة الإسلامية، قبل أيام، باعتداء شنيع، بعدما قام «أحد المستوطنين باقتحام المقبرة الملاصقة للمسجد الأقصى، وتعليق رأس حمار على أضرحة الصحابيَّين الجليلَين: شداد بن أوس، وعبادة بن الصامت، ثم تبع ذلك اقتحام أعداد من قوات الاحتلال للمقبرة». والجدير ذكره، هنا، أن «باب الرحمة» تحظى بأهمية خاصة لدى المسلمين، إذ يعود تاريخها إلى ما قبل 1400 عام، كما تحتضن قبور صحابة وعلماء وقيادات وشهداء الفتوحات الإسلامية عبر التاريخ، وتقع شرقي المسجد الأقصى على مساحة تُقدّر بنحو 23 ألف متر مربع.