وبحسب الخبراء، فإن هذه المنطقة مستهدَفة لمصلحة مشروع استيطاني يتضمن إقامة 32 وحدة سكنية في داخل البلدة القديمة، وتحديداً في منطقة برج اللقلق، حيث تتذرّع سلطات الاحتلال بأن المنطقة تم تخصيصها عام 1966 (إبان العهد الأردني) لإقامة حديقة للفلسطينيين، وبأنها سُجّلت باسم بلدية القدس آنذاك، ما يعني تالياً أن البلدية الحالية هي الوريثة.
تتعرّض مقابر المسلمين في القدس لحملة اعتداءات متصاعدة على غرار ما تتعرّض له المساجد
وسيشكّل إنشاء بؤرة استيطانية في منطقة برج اللقلق خطوة كبيرة نحو تهويد البلدة القديمة في القدس، وخاصة أن البرج يقع في الزاوية الشمالية الشرقية من سور القدس، ويعود إلى ما قبل 660 عاماً، فيما يُعدّ من أشهر معالم المدينة. ويجسّد الاستيطان فيه الاستراتيجية الإسرائيلية القائمة على مصادرة الأراضي تحت مسمّيات المصلحة العامة، ومصادرة أملاك «الغائبين»، ومن ثم البدء بتطويق الأحياء الفلسطينية بالمستوطنات الإسرائيلية، قبل اختراقها بالبؤر الاستيطانية.
على أن الكشف الاستيطاني الأخير، لم يكن الوحيد منذ بدء العدوان على غزة؛ ففي كانون الأول الماضي، صادقت سلطات الاحتلال على قرار بناء «أول مستوطنة جديدة في القدس الشرقية منذ عام 2012»، يوضح مخطّطها أنها تضمّ 1,792 وحدة سكنية، ستقام على أراضي بلدة صور باهر في القدس الشرقية. وحول هذا المشروع، قالت منظمة «عير عميم» الحقوقية الإسرائيلية، إنه «لولا الحرب لأُثيرت ضجّة كبيرة، إنه مشروع إشكالي للغاية بالنسبة إلى امتداد الدولة الفلسطينية بين جنوب الضفة الغربية والقدس الشرقية»، متّهمةً سلطات الاحتلال باستغلال الحرب على غزة لبناء هذه المستوطنة، ومحذّرةً من تداعيات ذلك على المستقبل السياسي للمدينة.
وإلى المشاريع الاستيطانية، ارتفعت وتيرة اعتداءات المستوطنين في القدس، ومنها استيلاؤهم على مسجد عكاشة شمال غرب القدس، وتحويلهم إياه إلى كنيس يهودي، بزعم أن فيه قبراً يعود إلى بنيامين، شقيق النبي يوسف. وقد وضع المستوطنون شمعدانات داخل المقام ولفائف توراتية، وشرعوا يصلّون أمام شواهد قبور إسلامية مغطاة بأقمشة بيضاء. وكان المسجد قد تعرّض، خلال أحداث «ثورة البراق» في آب عام 1929، لاعتداءات كبيرة من المستوطنين، حيث جرى تدمير محتوياته بعد اقتحامه وتدنيسه. وبعد احتلال القدس عام 1948، أُغلق المسجد بشكل كامل ونهائي، وتحوّلت المنطقة المحيطة به إلى أحياء للمستوطنين، علماً أن بناءه الأول يعود إلى العهد المملوكي، والحالي إلى الفترة العثمانية، وهو يحظى بموقع استراتيجي على طريق القدس - يافا، استخدمه المسافرون كمحطّة استراحة.
كذلك، تتعرّض مقابر المسلمين في القدس لحملة اعتداءات متصاعدة، لم تقتصر على مقبرة اليوسفية أو مسجد عكاشة، بل استهدفت أيضاً مقبرة باب الرحمة الإسلامية، قبل أيام، باعتداء شنيع، بعدما قام «أحد المستوطنين باقتحام المقبرة الملاصقة للمسجد الأقصى، وتعليق رأس حمار على أضرحة الصحابيَّين الجليلَين: شداد بن أوس، وعبادة بن الصامت، ثم تبع ذلك اقتحام أعداد من قوات الاحتلال للمقبرة». والجدير ذكره، هنا، أن «باب الرحمة» تحظى بأهمية خاصة لدى المسلمين، إذ يعود تاريخها إلى ما قبل 1400 عام، كما تحتضن قبور صحابة وعلماء وقيادات وشهداء الفتوحات الإسلامية عبر التاريخ، وتقع شرقي المسجد الأقصى على مساحة تُقدّر بنحو 23 ألف متر مربع.