غزة | واحدةٌ من أكبر الحفر التي يمكن أن تشاهدها في حياتك، هي تلك التي في محيط مفترق الصناعة غربي مدينة غزة. هناك، حفرت البواجر العملاقة عميقاً، حتى كادت «تخرق لبة الكرة الأرضية»، على حدّ توصيف محمد أحمد، وهو أحد سكان المنطقة الذين لم يغادروها في خلال 12 يوماً من التوغل البري الأخير. يقول الشاب، لـ«الأخبار»: «جاؤوا بحفّارات عملاقة لم أشاهد مثلها طوال حياتي، وأقاموا سواتر رملية في محيطها، واستمر الحفر هنا أكثر من عشرة أيام، ثم اقتحموا بالجرافات مبنى رئاسة الوكالة، وحفروا في باحاته وخرّبوا محتوياته». على أن حكاية مفترق الصناعة لم تبدأ في هذه الحرب، إنّما منذ معركة «سيف القدس» عام 2021. يومذاك، أعلن جيش الاحتلال أنه نفّذ عملية اغتيال ناجحة، تمكّن فيها من الإجهاز على المهندس جمال الزبدة، أحد أبرز قادة وحدة التصنيع التقنية في «كتائب القسام»، والذي قضى في تلك الحادثة رفقةَ نجله أسامة وعدد آخر من كبار مهندسي التصنيع. وبيت القصيد في ذلك الإعلان، الإقرار بأن الجيش تمكّن آنذاك، أي قبل ثلاث سنوات على الأقلّ، من اكتشاف غرفة القيادة والسيطرة التي كان يتحصّن فيها مَن اغتالهم، علماً أن كل منطقة أو نفق يجري استهدافهما بالأحزمة النارية والغارات العنيفة، يخرجان عن الخدمة تماماً. وفي هذا الجانب، يقول مصدر في المقاومة، في حديثه إلى «الأخبار»: «المكان الذي يُستهدف لا يُعاد استخدامه مجدّداً. في شمال غزة مثلاً، افتُتحت بعض الأنفاق لزيارة الأهالي والأطفال، بعدما جرى قصف بعض أجزائها (...) جيش الاحتلال الذي قلّص سقف أهدافه من تدمير شبكة أنفاق المقاومة، إلى تدمير الأنفاق الاستراتيجية فقط، عاد إلى نقطة مكشوفة، وقد أعلن بذاته قبل سنوات اكتشافها، ليحفر أكثر من 40 متراً في عمق الأرض، ويلتقط صورة يقول عبرها إنه يحقّق الإنجازات».
أما الهدف السياسي من العمل العسكري في تلك المنطقة التي تحاذي مقرّ رئاسة عمليات «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين» (أونروا)، فهو كيل مزيد من الاتهامات للمنظمة الدولية، بوجود علاقات تربطها بحركة «حماس»، إذ زعم الناطق باسم جيش الاحتلال العثور على مسارات لأنفاق تحوي خطوط كهرباء ومياه أسفل مباني الوكالة، متّهماً الأخيرة بتوفير أماكن تحصُّن واختباء لجنود «القسام»، وذلك ضمن مساعي تقويض عملها وإنهاء خدماتها في القطاع. وفي مقابل الاتهامات المشار إليها، قال المفوض العام للوكالة، فيليب لازاريني، إن ما يُفهم من تصريحات الجيش الإسرائيلي أنه جرى اقتحام مباني الوكالة والتفتيش فيها، مشيراً، في تصريحات صحافية، إلى أن «الأونروا» لا تعلم ماذا يوجد تحت مقرّها في غزة، موضحاً أن «الوكالة منظمة تنمية إنسانية، ولا تمتلك الخبرة العسكرية والأمنية ولا القدرة على إجراء عمليات تفتيش عسكرية لما يوجد أو قد يكون تحت مبانيها».
ورصدت «الأخبار»، التي جالت في تلك المنطقة لأكثر من ساعتين، عمليات الحفر الكبيرة على مفترق الصناعة، وقدْر التخريب والحرق الذي تعرّضت له مقرّات رئاسة الوكالة، التي هُدمت أسوارها الخارجية، وجُرفت باحاتها، وخرّبت المخازن فيها. وفي كل هذه المناطق التي رصدناها، وخصوصاً في داخل مقرّ رئاسة الوكالة ومبنى التدريب (الصناعة) التابع لها، لم نشاهد أيّ فتحة أو عين لنفق، فيما أكدت شهادات الأهالي الذين وصلوا إلى المكان في الساعة الأولى لتراجع دبابات الاحتلال، أن كل مباني الوكالة وباحاتها طاولتها عمليات تجريف وحفر، وأنه لم يشاهد في المكان أيّ شيء يدلّ على وجود أنفاق.