في ظل الخلافات المتفاقمة داخل مجلس الحرب الإسرائيلي، واتضاح استبعاد رئيس الوزراء، بنيامين نتيناهو، رئيس «المعسكر الوطني»، الوزير بني غانتس، من عملية صنع القرار، والذي تجلّى أحدث وجوهه في عدم إطلاع الأخير على قرار منع الوفد الإسرائيلي من العودة إلى القاهرة للمشاركة في مفاوضات صفقة تبادل الأسرى، تتعالى الأسئلة في الأوساط الإسرائيلية حول ماهية الخط الأحمر الذي سيعني اجتيازه، بالنسبة إلى غانتس، حتميّة الانسحاب من حكومة الطوارئ التي انضم إليها بموجب اتفاق وُقّع مع نتنياهو في الأيام الأولى للحرب. قبل أيام، تطرّق الصحافي، والمتخصّص في الشؤون السياسية الإسرائيلية، يارون أبراهام، في «القناة 12»، إلى هذه المسألة، مشيراً إلى أن رئيسَي الأركان السابقين، غانتس، وغادي آيزنكوت، فضّلا «التعالي على الجراح»، وتنحية الحسابات السياسية جانباً، وهو ما «ثُمّن سياسياً» في استطلاعات الرأي المتعاقبة حول الانتخابات، إذ ارتفع تمثيل كتلتهما بنحو ثلاثة أضعاف. لكن بحسب ما نقله أبراهام عن مصادر في الكتلة، فإن ما يُبقي «المعسكر الوطني» شريكاً في حكومة نتنياهو، هو قضية الأسرى، بالنظر إلى أن انسحابهما سيعني حتماً أن فرص استعادة هؤلاء قد تصبح صفريّة. ومع هذا، أوضحت المصادر ذاتها أن قرار الانسحاب سيُتخذ عندما تستشعر الكتلة أن «وجودها في الحكومة مضر لإسرائيل»، علماً أنها «تفكر في ذلك (الانسحاب) كل يوم». من جهته، لفت أفيخاي كارفيتشيك، في صحيفة «معاريف» أمس، إلى أن «المعسكر الوطني» ادعى أن «تحرير المختطفين هو المهمة الأسمى والهدف المركزي الذي ينبغي تحقيقه قبل القضاء على حماس»، مضيفاً أن «غانتس اصطف إلى جانب غادي آيزنكوت في هذا الموقف، حتّى ظهور معطى واحد أربك وأذهل مستشاري الكتلة أنفسهم». إذ إن الاستطلاع الذي نشرته «القناة 12» قبل أسبوعين، والذي تناول رأي المستطلعين بتحرير واسع لأسرى فلسطينيين مقابل إعادة «المختطفين»، عبر سؤال وصفه بأنه «إشكالي بعض الشيء»، أظهر أنه «لا أحد مستعد لتحرير عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين الملطخة أيديهم بالدماء». وإذ رأى أنه «ربما كان من الأجدر أن يُسأل المستطلعون ما إذا كانوا يؤيدون هدنة وليس وقفاً للحرب»، فقد استدرك بأنه «إن وضعنا ما تقدم جانباً، فإن المؤشر كان واضحاً إلى أن تحريراً غير مسؤول لـ«المخربين»، سيجعل المعسكر الوطني ينهار، ويفقده المقاعد التي ينالها تباعاً في الاستطلاعات».
وفي أعقاب نشر الاستطلاع المذكور، عقد غانتس مؤتمراً صحافياً اتهم فيه نتنياهو بأنه «يُقسّم (المجتمع الإسرائيلي) ولا يعبأ لليوم التالي» بحسب كارفيتشيك، الذي نبه إلى أن «من انتبه إلى تصريحات غانتس، أدرك أنه لم يتطرق إطلاقاً إلى مسألة استعادة المختطفين بأي ثمن»، وذلك «لم يكن عبثاً»، إذ «إنهم في المعسكر الوطني يتخوفون من خسارة المقاعد العشرة التي صبت في مصلحتهم من جمهور الليكود، وهم يرغبون في أن يصلوا بأكبر قوّة ممكنة إلى الانتخابات القريبة، ولكن على الطريق قد يدفعون الأثمان». صحيح أن الجمهور الإسرائيلي يرى في غانتس الشخصية الأكثر موثوقيّة مقارنة مع نتنياهو، وأنه الأنسب ليكون رئيس الحكومة في الوقت الحالي، و«لكن هذه الثقة ليست مطلقة»، وفقاً للكاتب، الذي ذكّر أيضاً بأن «نتنياهو هو كائن مفترس، سياسي يُشخّص بسرعة كبيرة الضعف لدى خصومه، ويهاجم، إن تطلب الأمر، في المكان الأكثر حساسية»، مضيفاً أن «لدى نتنياهو مهمة متمثلة في إعادة المقاعد التي خسرها لمصلحة غانتس، وهو سيعمل كل ما في وسعه من أجل تحقيق ذلك».
يعرف غانتس أنه لا يستطيع ترك الحكومة من دون إعادة الأسرى وإنهاء الحرب في الشمال


في المقابل، يعرف غانتس أنه لا يستطيع ترك الحكومة من دون إعادة الأسرى وإنهاء الحرب في الشمال، وأن «الجمهور الذي انحرف تجاهه يقول له ذلك في استطلاعات الرأي: لا تترك الدولة لبن غفير وسموتريتش (أي لقرار المتطرفين)». أمّا من يستغل هذه الحقيقة؟ فهو «نتنياهو بالطبع»، بحسب كارفيتشيك الذي كرّر أن نتنياهو يستثني غانتس من عملية صنع القرار، وهو ما يثير خشية الأخير من أن «يُلدغ مرتين من رئيس الوزراء. فمرة واحدة تكفيه. وهو يذكر جيداً أنه حقق أربعة مقاعد في الاستطلاعات قبل حكومة التغيير (بينيت - لبيد)، وسيناريو كهذا لا يرغب في احتسابه». وأشار إلى أن «من يُصغي إلى متان كهانا (عضو المعسكر الوطني) يستنتج عبرة واحدة: إن شعرنا أننا غير مؤثرين، سنترك». وبالتالي، فإن غانتس سيحتاج سبباً وجيهاً لكي يترك الحكومة، واستثناؤه من عملية صنع القرار هو «أفضل سبب» بالنسبة إليه، و«لكن الثمن سيكون موجعاً؛ فالجمهور الذي هرع إليه سيصاب بخيبة أمل، وسرعان ما سيحوله إلى شخصية هامشيّة تحاول التأثير، ولكن هذه المرّة من المُدرجات». كما أن «الأمر أصعب عليه، مع لبيرمان ولبيد، لأنهما سيستغلان الفرصة ليسرقا مقاعده، على قاعدة أن من لُدغ مرتين لا يمكنه أن يكون رئيساً للوزراء». وبناءً على ما تقدّم، جزم الكاتب أن «إستراتيجية خروج غانتس من الحكومة، قد تصبح أصعب من اليوم التالي نفسه»، موضحاً أن الرجل «يحتاج إلى الاختيار بين أن يكون عنصراً أقل تأثيراً (في عملية صنع القرار)، أو بديلاً أسوأ، أي بلا تأثير إطلاقاً».
في سياق متصل، تطرق المحلل السياسي لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنياع، إلى «تقليص التفويض» الذي منحه نتنياهو إلى طاقم المفاوضات الإسرائيلي في القاهرة، وإبلاغه أعضاءه أنه «يُسمح لهم بالاستماع إلى المقترحات المقدّمة، غير أنه محظور عليهم تقديم ردّ عليها». واعتبر أن عدم تبليغ نتنياهو لغانتس بهذا التقليص، ثم منع الوفد من العودة إلى مصر، يُشيران إلى أن نتنياهو «يفتعل أزمة مقابل غانتس»، وهو ما فسره المقربون من الأخير وزميله آيزنكوت أنه «يأتي من منطلقات نفسية وسياسية داخلية». وطبقاً للمقربين أنفسهم، فإنه بعدما انضم رئيسا الأركان السابقان إلى الحكومة، قابلا «رئيس وزراء ضعيف ومرتعب... ولكن الآن بات نتنياهو كمن يمتطي الحصان، فيما تعهّده الأجوف بالانتصار المطلق يقابل برضى فئات معيّنة في الجمهور الإسرائيلي». وبحسب برنياع، «نتنياهو لم يعد بحاجة إلى غانتس وآيزنكوت، وبإمكانهما البقاء في الحكومة أو الانسحاب. كما أنه ليس بحاجة إلى غالانت (وزير الأمن). ونتنياهو يعلن أنه هو، وليس غالانت، من يوجّه الجيش».