بغداد | تعمل فصائل «المقاومة الإسلامية في العراق»، بالتزامن مع مدة الهدوء النسبي التي تشهدها البلاد، على مراجعة شاملة تطاول بنيتها التنظيمية وخططها الأمنية للألوية والقيادات والمقاتلين، بخاصة أن لديها شكوكاً بتسريب معلومات عن قادتها البارزين الذين استشهدوا في غارات أميركية قبل أيام. وفي مقابل ذلك، تشهد قوى «الإطار التنسيقي» انقساماً في الآراء والمواقف حيال ملف إنهاء الوجود الأجنبي الذي أثير الجدل حوله أخيراً داخل البلاد. إذ ثمة من يدفع في اتجاه إنهاء هذا الوجود، وهؤلاء بغالبيتهم من القوى الشيعية، فيما آخرون يرون أن من مصلحة العراق بقاء تلك القوات، بخاصة بين القوى السنية والكردية التي تَغيّب عدد كبير من نوابها عن الجلسة التداولية الأخيرة التي عقدها البرلمان لمناقشة انتهاكات الولايات المتحدة لسيادة البلاد.وخلال تلك الجلسة التي انعقدت قبل أيام، وقّع نحو 100 نائب يمثلون «الإطار التنسيقي» على طلب لإدراج مشروع قانون لإخراج القوات الأجنبية، على جدول أعمال الجلسات المقبلة لمناقشته، إلا أنّ ذلك لاقى رفضاً تاماً من النواب السنة والأكراد، الأمر الذي أثار حساسية بعض القوى الشيعية تجاه شركائها في العملية السياسية. لكن الجدل لا يزال قائماً داخل «الإطار التنسيقي» نفسه، الذي أبدت بعض أطرافه عدم رغبة في الدفع نحو رحيل القوات الأميركية، معتبرة ذلك استفزازاً لواشنطن وإحراجاً لحكومة محمد شياع السوداني. وذكرت مصادر مقرّبة من «التنسيقي»، لـ«الأخبار»، أنّ «الأطراف المعترضة على خروج الأميركيين، هي ممن يمتلكون تمثيلاً سياسياً في الحكومة الحالية»، مضيفة أنّ «هناك قيادات مهمة داخل الإطار تعتقد بأن الإقدام على خطوة إنهاء الوجود الأجنبي في هذا التوقيت، ليس من مصلحة البلاد».
في هذا الوقت، ومع تزايد عمليات اغتيال قيادات المقاومة، تكشف مصادر في الفصائل العراقية أنّ «هناك مراجعة شاملة لعمل المقاومة في العراق وخططها، ولا سيما بعد استشهاد القيادي البارز في كتائب حزب الله، أبو باقر الساعدي، في غارة أميركية في بغداد». وتشير المصادر إلى أنّ «هناك شكوكاً في حصول الولايات المتحدة على مساعدة من قبل أطراف داخلية، تعمل المقاومة على تحديدها»، مؤكدة أن «الاستهدافات الأميركية دفعت إلى إجراء تغييرات في مواقع القيادات، والتعامل بحذر مع الأجهزة التقنية والهواتف الخلوية، والاحتماء من أي ضربات مستقبلية». وبحسب المصادر ذاتها، فإن «الجمهورية الإسلامية في إيران، وعبر شخصيات زارت العراق في الشهرين الماضيين، أوصت قادة المقاومة بأخذ الحيطة والحذر في التنقل، وإجراء الاتصالات أو التنسيق في ما بينها بسرية تامة، تلافياً لتسريب المعلومات الخاصة بعملياتها العسكرية».
ثمة شكوك في حصول الولايات المتحدة على مساعدة من قبل أطراف داخلية، تعمل المقاومة على تحديدها


أما بخصوص مستقبل تلك العمليات، فيقول القيادي في «الحشد الشعبي»، محمود الحسيني، إنه «ليست هناك هدنة مع القوات الأميركية، وإنما نتابع المباحثات الحكومية مع الولايات المتحدة بشأن إخراج قواتها من البلاد»، مؤكداً، في تصريح إلى «الأخبار»، أنّ «المراجعات لهيكيلة المقاومة مستمرة لغرض تنظيم عمل المقاومة». ويضيف أن «هناك من يثير إشاعات ضد عمل المقاومة ووحدة صفوفها، وهناك من يتحدث عن هروب بعض القادة، وهذا غير صحيح، فما تزال الفصائل تعمل بالوتيرة نفسها، ولها توقيتات وتنسيق مع بقية أطراف المحور لشن الهجمات وضرب العدو، وستبقى قواتنا مستعدة لأي رد أو هجمة أميركية».
ويتابع القيادي في «الحشد» أنّ «هناك أطرافاً تتعاون مع العدوان الأميركي على صعيد الوشاية وإعطاء المعلومات، وخاصة من القوى والقيادات السياسية التي تهدف إلى عدم استقرار البلاد»، مستدركاً بأن «المقاومة تعمل على رصد هؤلاء عبر تشكيل لجانٍ استخبارية رصينة هدفها متابعة المتواطئين مع واشنطن».
ومن جانبه، يرى الباحث العراقي، جواد كاظم، أنّ «الإطار التنسيقي حالياً يمر بمرحلة انقسام بشأن إبقاء قوات التحالف الدولي أو إخراجها من البلاد»، لافتاً إلى أن «قيادات المقاومة الكبيرة وقيادات الإطار تعيش حالة صراع بين إرضاء الحكومة أو التماشي مع تنسيقية محور المقاومة في المنطقة، بخاصة أن مجمل عملياتها تأتي نصرة لغزة كما تقول». ويعتقد كاظم أنّ أي «غارة أميركية ضمن سلسة الردّ التي توعدت بها على قيادات المقاومة أو مقراتها، ستشعل النار من جديد، وخاصة أن المقاومة تدرس طريقة الثأر والانتقام للقيادي أبو باقر الساعدي». وبحسب الباحث العراقي، فإن «فصائل المقاومة تعرف تماماً أن القوات الأميركية أو قوات التحالف الدولي ستبقى تحت مسمى تنظيم العلاقات الثنائية أو بصفة أخرى، لكن هي منحت الحكومة الفرصة الأخيرة وتنتظر النتائج التي على ضوئها ستتحرك في المرحلة المقبلة».