تشهد منطقة البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن، فصلاً جديداً من التنافس العسكري والأمني بين مجموعة من القوى الدولية الكبرى، والقوى المحلية والإقليمية الصاعدة. فبعد التحالف الذي أنشأته الولايات المتحدة باسم «حارس الازدهار»، من المتوقّع في الأيام المقبلة انطلاق مهمة منفصلة للقوة البحرية للاتحاد الأوروبي في المنطقة المذكورة، باسم «أسبيدس»، أو الحامية، وذلك على خلفية قرار اليمن استهداف الأصول والمصالح الإسرائيلية والأميركية والبريطانية في البحر الأحمر. ووفقاً للقرار الذي اتخذه الاتحاد في الثلث الأخير من الشهر الماضي، ستبدأ، اليوم، العملية البحرية الأوروبية في البحر الأحمر، بذريعة حماية السفن العابرة من باب المندب إلى قناة السويس.ويأتي هذا بتأخير شهر كامل عن تاريخ اتّخاذ القرار لسببين رئيسيّين: الأول، تشاور الدول الأعضاء في ما بينها لتحديد حجم القوة والدول المشاركة فيها - وهي فرنسا وألمانيا وإيطاليا - والمهمات الموكلة إليها؛ والثاني، التشاور مع كل الدول المؤثرة في المنطقة، ابتداء بالدول الحليفة، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي تشن ضربات جوية على اليمن، وصولاً إلى دول الخليج ومصر، وصولاً حتى إلى قيادة صنعاء التي عُلم من مصادر مختلفة أنّ الاتحاد أرسل تطميناً إليها بأن قواته لن تشارك في الاعتداء على اليمن، كما لن تقوم بعمليات في البر. أيضاً، ذكرت مصادر ديبلوماسية أن ثمة تواصلاً أوروبياً مع طهران للتنسيق معها بشأن مهمة القوة الأوروبية، التي يُرجّح أن تتّخذ قاعدة للدعم اللوجستي لها في جيبوتي المطلة على باب المندب، فيما أفادت صحيفة «دي فيلت» الألمانية بأن مدينة لاريس اليونانية سوف تكون مركز قيادة العمليات، برئاسة أدميرال يوناني.
مراقبون أوروبيون قلقون من المخاطر المترتّبة على المهمة الجديدة


وكان قد قرّر الاتحاد الأوروبي أن تتمثّل مهمة أسطوله في اعتراض المقذوفات ودرء التهديدات المحتملة في البحر الأحمر، وذلك عبر نظم إنذار مبكر محمولة جواً لحماية سفن الشحن في المنطقة، وأنظمة دفاع جوي. وستكون هذه المهمة منفصلة عن مهمات تحالف «حارس الازدهار» الذي تقوده الولايات المتحدة، وتقول إن عشرين دولة تشارك فيه، والذي شرع في عملياته أواخر العام الماضي. وأثار التحالف المذكور انقسامات داخل التكتل الأوروبي، ففي حين انضمت إليه هولندا واليونان والدنمارك، رفضت فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا الالتحاق به، في حين قالت واشنطن إنها لم تتلقَّ أي مساعدة أوروبية في عملياتها سوى من هولندا. ومنذ بداية الأزمة في البحر الأحمر، أبدت دول أوروبية خشيتها من مغبة حدوث تصعيد خطير في المنطقة التي باتت على حافة الهاوية، وهو ما رآه البعض السبب وراء التفاعل الأوروبي الفاتر مع الضربات الأميركية والبريطانية ضد اليمن.
وفي هذا السياق، قالت مديرة «معهد الشؤون الدولية» في إيطاليا، ناتالي توتشي، إن الضربات الأميركية - البريطانية، ورد «أنصار الله» عليها، يزيدان من تعقيدات الموقف الأوروبي، مضيفة أن إرسال سفن حربية ينطوي على احتمالات أكبر للتصعيد. كما عبّر مراقبون أوروبيون عن قلقهم من المخاطر المترتبة على المهمة الأوروبية، في حال تدخّلت القوة لمنع استهداف السفن الإسرائيلية والأميركية والبريطانية من قبل البحرية اليمنية، فضلاً عن خوف الأوروبيين من ألا تحقّق المهمة التأثير المرجوّ منها، ما يظهر الاتحاد الأوروبي في موقف ضعيف. وأضافت توتشي: «دعونا نضع الأمور في منظورها الصحيح. السعودية تقصف اليمن بشدة منذ عشر سنوات، فهل نجحت فعلاً في إضعاف قدرات الحوثيين العسكرية؟ الإجابة بالتأكيد لا». وأضافت: «ومن هذا المنطلق، فما الذي يجعلنا نعتقد أن أي نوع من العمليات البحرية - إذا كان دفاعياً وليس هجومياً - من شأنه أن يردع الحوثيين؟». على أن ثمة رأياً يقول إن قرار التكتل تدشين مهمة بحرية، جاء «انطلاقاً من فكرة أنه يتعين عليه القيام بشيء».