رام الله | تأخذ اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية، طابعاً منظّماً وجماعيّاً، أكثر من كونها حوادث فردية، وفق ما تبيّنه سلسلة الهجمات التي ارتكبها هؤلاء خلال الأشهر القليلة الماضية. وبعدما كانت مجموعات من بضعة مستوطنين (ينتمون إلى مجموعات أكبر، مثل "فتية التلال") تنفّذ اعتداءات، كما في جريمة حرق عائلة دوابشة في بلدة دوما، ارتفع، راهناً، عدد المعتدين إلى عشرات الأفراد الذين يشنّون هجمات متزامنة، مثلما حدث في حوارة وترمسعيا وبرقة. وتعرّضت برقة، البلدة الواقعة إلى الشمال من مدينة نابلس شمالي الضفة، مساء الإثنين، لهجوم واسع على أيدي مستوطنين، يستظلّون بحماية ودعم جيش الاحتلال، ما أدى إلى إصابة 4 فلسطينيين بجروح. وهاجم هؤلاء منزل أحد المواطنين الكائن عند مدخل القرية، واستهدفوه بزجاجات حارقة، ما أدى إلى اشتعال النيران فيه، كما أحرقوا مركبة مركونة في المكان، ومنزل مواطن آخر وسيارته، وهاجموا بعد ذلك منزلَين آخرَين في المنطقة.وبالتزامن مع هجوم المستوطنين على برقة، والذي جاء عقب تفجير عبوة ناسفة بسيارة مستوطن وجرحه، اقتحمت قوات الاحتلال البلدة، حيث أَغلقت كلّ مداخلها والطرق المؤدية إليها، وسط إطلاق كثيف لقنابل الغاز السام المسيّل للدموع، إلى جانب منع مركبات الإسعاف من دخولها، فيما دعت القرى المحيطة بها، عبر مكبّرات الصوت في المساجد، الأهالي إلى مساندة برقة. كما هاجم مستوطنون، فجر أمس، منزلاً في بلدة سنجل شمالي رام الله، وحطّموا نوافذه، وكتبوا شعارات عنصرية على أبوابه. ومنذ مساء الإثنين، فرضت قوات الاحتلال حصاراً مشدّداً على البلدة، شنّت خلاله عمليات اقتحام ومداهمة للمنازل والمحالّ التجارية، التي خرّبت محتوياتها، فيما احتجزت أيضاً عدداً من الشبان وحقّقت معهم واعتدت عليهم، الأمر الذي أدّى إلى إصابة بعضهم بجروح ورضوض.
هكذا، يحوّل المستوطنون ليل قرى وبلدات الضفة الغربية إلى رعب حقيقي، بعدما أصبحوا يشنّون يوميّاً، بضوء أخضر من جيش الاحتلال، هجمات على الفلسطينيين، يعتمدون خلالها على حرق المنازل والمركبات، وصولاً في أحيان كثيرة إلى القتل. والواقع أن هذا السيناريو الذي تكرّر في قرى حوارة، وترمسعيا، وعوريف، وبرقة وغيرها العشرات، بات هو النموذج المتّبع، خاصة مع وقوع عمليات للمقاومة، إذ يجري حشد مئات المستوطنين على مفارق الطرق الرئيسية أو مداخل القرى والبلدات القريبة من المستوطنات، لتنفيذ اعتداءات دموية.
ويبدو أن العقوبات الخجولة التي أعلنت عنها بعض الدول، ومنها الولايات المتحدة وبريطانيا، على بضعة مستوطنين شاركوا في تلك الهجمات، ومنها هجمات حوارة، لا تلقى بالاً لديهم، وهو ما يُترجم باتّساع رقعة جرائمهم، كمّاً ونوعاً، ليس بسبب الحماية الحكومية لهم فحسب، بل على خلفية دعمهم وتمويلهم وتسليحهم، وفق السياسة التي يتبعها وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير. وفي المقابل، لم تقم السلطة الفلسطينية وهيئاتها وأُطرها باتّخاذ أيّ خطوة عملية لمواجهة الوضع القائم، على رغم المطالبات بضرورة تفعيل لجان الحماية الشعبية، أو خلق أُطر تنظيمية لحماية القرى والبلدات من هجمات المستوطنين، وعدم الاعتماد على «الفزعة» في كل هجوم يحدث.
شهدت مدن جنين وطولكرم ورام الله والخليل والقدس اقتحامات، تخلّلتها اشتباكات مسلّحة


على خط مواز، نفّذت قوات الاحتلال، أمس، اقتحامات في مناطق متفرّقة في الضفة الغربية، حيث داهمت عدداً من المنازل ونكّلت بسكّانها واعتقلت مواطنين، مثلما حدث في مدينة طوباس التي شهدت اشتباكات وُصفت بـ"العنيفة" في عدّة محاور، وتخلّلها استهداف القوات المقتحِمة بعبوة محلّية الصنع شديدة الانفجار. كما أطلق مقاومون النار على قوات الاحتلال في قرية تياسير خلال انسحابها من مدينة طوباس. أيضاً، شهدت مدن جنين وطولكرم ورام الله والخليل والقدس اقتحامات، تخلّلتها مواجهات مسلّحة، ورافقتها عمليات تنكيل واسعة، واعتداءات بالضرب المبرح، وتهديدات بحقّ المعتقلين وعائلاتهم، إلى جانب عمليات التخريب والتدمير الواسعة في منازل المواطنين، والتي أسفرت جميعها عن اعتقال نحو 20 مواطناً، من بينهم اثنان من محرّري صفقة التبادل الأخيرة.
وفي سياق الجرائم المستمرة بحقّ الأسرى، كشفت  "هيئة شؤون الأسرى والمحرَّرين"، أمس، أنه بناءً على زيارة محاميها لسجن "عتصيون" قبل يومين، فإن قرابة الـ90% من المعتقلين القابعين هناك من أصل 105 معتقلين، تعرّضوا للضرب والتنكيل أثناء اعتقالهم حتى وصولهم إلى السجن، واصفة الوضع في "عتصيون" بالمزري، حيث تشهد الغرف اكتظاظاً شديداً، في حين ينام معظم الأسرى على الأرض بسبب نقص عدد الأسرّة والفرشات، وقلّة الأغطية والملابس. ويضاف إلى ما تقدّم، عدم إمكانية إغلاق الشبابيك، لأنها عبارة عن شبك حديدي فقط، ما يجعل الغرف باردة طوال الوقت، فيما يزداد الأمر صعوبة عندما تمطر، فتتحوّل الأقسام إلى برك مياه. وتابعت أن السجّانين يقومون بالقرع على أبواب الغرف عند منتصف الليل لمنع المعتقلين من النوم، وأحياناً يتم إخراجهم من الغرف وإبقاؤهم في الساحة الخارجية من دون أيّ مبرّر، أو مراعاة للحالات المرضية التي تتعمّد إدارة السجون إهمالها منذ بدء العدوان على قطاع غزة، تاركة إياها بلا أدوية أو فحوصات، وبلا علاج أو متابعة طبية، في ما يمثّل نوعاً من العقاب الجماعي.