لم يغادر وفد حركة «حماس» القاهرة بعد، بل لليوم الثاني، على التوالي، واصل وفد الحركة، برئاسة نائب رئيسها في قطاع غزة، خليل الحيّة، محادثاته مع المسؤولين المصريين، بحضور وفدين، أميركي وقطري. وكانت إسرائيل قد امتنعت عن إرسال وفدها المفاوض إلى العاصمة المصرية، بذريعة أن «حماس» لم تلبّ شرطاً إسرائيلياً أساسياً يتعلّق بكشف المقاومة عن عدد الأسرى الأحياء لديها وأسمائهم، ليجري تقسيمهم إلى فئات لاحقاً، ضمن عملية التفاوض. كما تذرعت دولة الاحتلال بأنها تحتاج إلى لائحة كاملة بهؤلاء، حتى تتمكن من تحديد ما تسمّيه «المفاتيح» التفاوضية، والتي على أساسها يتمّ إقرار أعداد وفئات الأسرى الفلسطينيين الذين من الممكن أن يشملهم التبادل، سواء في المرحلة الأولى، أو في المراحل اللاحقة. في المقابل، ترفض المقاومة الشرط/ الطلب الإسرائيلي، وتبرّر ذلك بأن لائحة كهذه، يجب على العدو أن يدفع ثمنها غالياً في المفاوضات، ولا يمكنه الحصول عليها مجّاناً.ومع أهمّية هذين الموقفين المتقابلين، إلا أن جوهر الخلاف هو في الحقيقة حول المسار الذي ستنتجه أي صفقة مفترضة، وما سيُفضي إليه في نهايته. فبينما يرى العدو أن صفقة المرحلة الأولى تشتمل هدنة مؤقتة، ومكاسب «إنسانية» لقطاع غزة، وإفراجاً عن بضع مئات من الأسرى الفلسطينيين، على أن يعاود، بعد انقضاء الهدنة المتفق عليها، عملياته العسكرية في قطاع غزة، وخصوصاً في منطقة رفح، ترى المقاومة أن ما تسمّى «مرحلة أولى»، يجب أن تكون مرحلة ضمن مراحل في اتفاق شامل، يُفضي في نهايته بالضرورة إلى وقف الحرب بشكل كامل، إضافة إلى تحقق مطالب أخرى من مثل انسحاب جيش العدو كلياً من القطاع، وإعادة الإعمار. وما تطالب به «حماس»، الآن، عملياً، هو تعهّد وضمانة مُلزمة، من الإسرائيليين والأميركيين، بأن مسار الصفقة الحالية، سيؤدّي في نهايته إلى الغرض المذكور، وهو ما يرفض العدو التعهّد به، وكذلك الأميركيون.
وأمام تمسّك الطرفين بموقفيهما، والتصلّب الذي يبديانه، يحاول الوسيطان المصري والقطري، برعاية الولايات المتحدة، إيجاد صيغٍ أخرى وسطية، ربما تجد طريقها إلى النجاح في نهاية الأمر. وفي هذا السياق، كشفت قناة «كان» العبرية أن «الوسطاء عرضوا على حماس إطلاق سراح عدد قليل من الأسرى الإسرائيليين مقابل وقف إطلاق النار لبضعة أيام، حتى تُبيّن جدّية اهتمامها بإطلاق سراح الأسرى». لكن «الحركة ردّت بشكل سلبي على العرض، فيما الوسطاء ما زالوا يحاولون إقناعها بذلك». وأشار تقرير «كان» إلى أن «هذا المقترح ليس تغييراً في الإطار الذي تمّت الموافقة عليه في باريس، بل هو تحرّك أوّلي ضمن ذلك الإطار». ونقلت القناة عمّن وصفتهم بالمصادر المطّلعة على المفاوضات قولها: «هذه خطوة يمكن أن تُظهر لإسرائيل أن حماس تعرف مكان الأسرى، وأنها جادّة بشأن الصفقة».
ما تطالب به «حماس» عملياً هو تعهّد وضمانة مُلزمة، بأن مسار الصفقة الحالية، سيؤدّي في نهايته إلى انسحاب جيش العدو كلياً من القطاع


وفي «مناورة» أخرى، علمت «الأخبار» أن الأميركيين يروّجون لإمكانية أن تكون هنالك «هدنة من طرف واحد»، تنفّذها إسرائيل خلال شهر رمضان، على أن تقوم هي بإدخال كميات مقبولة من المساعدات الإنسانية إلى داخل غزة، بمساعدة مؤسسات دولية و«هيئات محلّية» في القطاع، ويحتفظ الجيش الإسرائيلي بموجب ذلك بـ«حقّ» مهاجمة المقاومين، ومواجهة أي «تهديد» تتعرّض له قواته التي ستُجري أيضاً إعادة تموضع بشكل يناسبها أمنياً. وفي المقابل، لن تتضمن هذه «الهدنة» أي إدخال للخيام والمساكن الجاهزة، ولا تبادلاً للأسرى، ولا عودة للنازحين إلى الشمال، بل ستقوم إسرائيل خلالها بإنشاء شبكة من الفلسطينيين، ليتعاونوا معها في مسألة إدارة توزيع المساعدات، على شاكلة ما كانت تُعرف بـ«روابط القرى» في الضفة الغربية. وبحسب معلومات «الأخبار»، سعى العدو، خلال الأيام الأخيرة، إلى التواصل مع عشائر ومخاتير ووجاهات محلية في القطاع، لترويج خطّته لـ«الإدارة المدنية»، من باب حاجة سكان غزة إلى المساعدات الإنسانية. وفي هذا السياق، زار منسّق أعمال الحكومة في المناطق المحتلة في الجيش الإسرائيلي، غسّان عليان، دولة الإمارات، قبل أيام، حيث التقى مسؤولين إماراتيين هناك، وآخرين من جنسيات عربية أخرى، للتشاور بخصوص مسألة الإدارة المدنية لغزة، بعيداً عن «حماس» وحتى عن منظمة «الأونروا».
وعلى خط موازٍ، وصل الوزير في «مجلس الحرب»، بني غانتس، إلى واشنطن، في زيارة رسمية، حيث التقى نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، فيما من المتوقّع أن يلتقي لاحقاً مستشار الأمن القومي جيك سوليفان. وعلى خلفية غضب رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، من غانتس وزيارته، أوعز الأول إلى سفارة تل أبيب في واشنطن، بعدم دعم الأخير خلال لقاءاته، وحتى عدم استقباله. كذلك، أوعز بالأمر نفسه إلى السفارة الإسرائيلية في لندن، التي سيزورها غانتس بعد واشنطن. كما تعرّض غانتس لهجوم لاذع من حلفاء نتنياهو في الائتلاف الحكومي؛ إذ اعتبر وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، أن «غانتس هو الحلقة الأضعف في الحكومة»، وهو «يخدم مصلحة إدارة بايدن ويروّج خطتها لإقامة دولة فلسطينية». كما اعتبر أن «الإدارة الأميركية تريد دق إسفين في حكومتنا». في المقابل، قال «البيت الأبيض» إن «بعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية جعلوا من الصعب إيصال مزيد من المساعدات إلى غزة»، مضيفاً أن «هنالك وقائع لم تكن فيها إسرائيل قادرة أو راغبة في استمرار دخول شاحنات المساعدات»، في حين أن «الولايات المتحدة تطالبها بفتح معابر برية إضافية». وأشار المتحدث باسم «البيت الأبيض» إلى أن «غانتس سيلتقي سوليفان وسيناقشان المساعدات العسكرية والعمليات في رفح واتفاق الرهائن»، معتبراً أن «اتفاق التبادل الجاري التفاوض بشأنه هو الأفضل ويصبّ في مصلحة الجميع بمن فيهم حماس». أما الخارجية الأميركية، فقد علقت على الزيارة، بالقول: «إنه (غانتس) عضو في حكومة الحرب، وله صوت مهم في القرارات والقضايا التي لدينا مع إسرائيل، وهو شخصية مهمة يجب التعامل معها».