بعد وضعها «فيتو» على جميع القرارات التي قُدّمت إلى مجلس الأمن الدولي، ودعت إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، قررت الولايات المتحدة، أخيراً، تقديم اقتراح يطالب «بوقفٍ فوري لإطلاق النار لمدة ستة أسابيع، وتحرير جميع المختطفين». وبحسب موقع «واينت»، فإن المسوّدة الأميركية حُضّرت منذ نحو أسبوعين، بموازاة «الفيتو» الذي وُضع آنذاك على اقتراح تقدّمت به الجزائر، ودعت فيه إلى وقفٍ فوريٍ لإطلاق النار. ويحمل المقترح الأميركي تبدّلاً عن المسوّدة السابقة التي طرحتها الولايات المتحدة، والتي تنص على «هدنة ووقف مؤقت لإطلاق النار»، علماً أن النسخة الثانية تشدّد هي الأخرى على تحرير «المختطفين الإسرائيليين»، وتتضمن إدانة لـ«حماس».وطبقاً للموقع، فإنّ هذا التبدل يأتي على خلفية المعركة الانتخابية الرئاسية المنتظرة داخل الولايات المتحدة، ورغبة إدارة جو بايدن في أن ينظر إليها الجمهور باعتبارها مبادرة وداعمة لوقف الحرب. لكن مسؤولين إسرائيليين أظهروا عدم اكتراثهم حيال ذلك، معتبرين أن الخطوة الأميركية الأخيرة «لا تشكل تطوّراً دراماتيكياً في موقف الولايات المتحدة»، رغم أن واشنطن ملّت من النظر إليها باعتبارها شرطي مجلس الأمن الذي «يعيق إصدار القرارات». وتأتي هذه التطورات غداة زيارة لوزير مجلس الحرب، بيني غانتس، إلى واشنطن، مطلع الأسبوع، خالفت رغبة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، وكشفت عما يبدو أنه «مسار سريع للتصادم»، بحسب المحلل العسكري لصحيفة «إسرائيل اليوم»، يوآف ليمور، الذي رأى أنه «من الصعب التقليل من خطورة تداعيات تردي العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة»، لافتاً إلى أن هذه التداعيات «تجد تعبيرها على المستوى السياسي في الخطر المحدق بالفيتو الأميركي التلقائي في مجلس الأمن». أمّا على المستوى الأمني - العسكري، فقد «يثقل تردي العلاقة على المساعدات، ولاحقاً على أوجه تعاون مختلفة»، كما قد تكون له تعبات على المستوى القانوني حيث «قد تتورط إسرائيل في محافل دولية على خلفية مرسوم رئاسي جديد يقرن كل مساعدة أميركية بطاعة القانون الدولي».
وفي سياق غير بعيد، رأى معلّق الشؤون العسكرية لـ«القناة 13»، ألون بن ديفيد، في مقالة في صحيفة «معاريف» أن «إنجازات الحرب تتبدد»، فيما إسرائيل، في الشهر الخامس للقتال، «عالقة» في الجنوب والشمال. وتبدو كـ«مقامر يصرّ على وضع كل الرقائق (poker chips) كرهان على رقمٍ واحد في لعبة الروليت. غير أن الرقائق آخذة بالنفاد على مستوى العتاد العسكري، ومعنويات القوات الآخذة في التراجع، وكذلك الشرعية الدولية». وادعى بن ديفيد أنه في بداية الحرب، «نجح الجيش في أقل من شهرين في إخضاع لواءين قويين لحماس في شمال القطاع، واحتلال مدينة غزة التي تُعد أكبر من خان يونس بأربع مرّات»، غير أنه منذ ذلك الحين، «مرت تقريباً ثلاثة أشهر ونصف الشهر والفرقة 98 لا تزال تتابع الحرب على خانيونس. وبينما أُخضع هناك لواء كامل لحماس، لا تزال تصر الفرقة المذكورة على التركيز على محاولة إخضاع (رئيس المكتب السياسي لحماس في غزة، يحيى السنوار».
اغتيال السنوار قد يشكل «صورة نهاية» تسمح للقيادة الأمنية بالتنحي بـ«كرامة»


ورأى أن إسرائيل ربما تنجح في اغتيال السنوار وربما لا، لكن في هذه الأثناء «أيّ يوم يمر، تتراجع فيه كفاءات قوات الفرقة العسكرية 98، التي لم يُسرّح أفرادها تقريباً». غير أن الأسوأ من ذلك بحسبه هو أن «الحبل الطويل الذي منحته الولايات المتحدة لإسرائيل لكي تقضي على حماس أخذ يقصر». ورأى أنه في حال خسرت إسرائيل الرهان، فستجد نفسها «تعود بخفيّ حنين»، ما يعني «عدم الوصول إلى قادة حماس وعدم إخضاع كل كتائبها وألويتها». وأشار بن ديفيد إلى أنه منذ البداية، خرجت إسرائيل في حربها على غزة بعقيدة «السور الواقي»، والتي تعني إحقاق السيطرة العملياتية ميدانياً، وذلك بعد سنوات من الاقتحامات والمداهمات الهادفة إلى القضاء على كل البنى التحتيّة للمقاومة. وزعم أنه في شمال القطاع، «يسير الأمر بشكل ممتاز»، إلا أنه في مرحلة معيّنة يبدو أن «القيادة الأمنية الإسرائيلية انغرمت بفكرة إحراز صورة نصر على شكل رأس السنوار». وحذر من أن ذلك «قد يكون ممكناً غير أنه لا يحقق كل الجهود. فاغتيال السنوار سيأتي ببديل منه، ولكن إذا أنهينا الحرب فيما لا يزال يتواجد لواء كامل لحماس في رفح وكتيبتان في وسط القطاع، نكون قد خسرنا».
ورأى أن اغتيال السنوار قد يشكل «صورة نهاية» تسمح للقيادة الأمنية بالتنحي بـ«كرامة» بعد وصمها بإخفاق السابع من أكتوبر، وعلى هذا الأساس «تُفهم حماستها للوصول إلى قادة الحركة». ولكن من جهة ثانية، فإن التركيز على هذه المطاردة «يضر بتحقيق الهدف الأسمى للحرب، وهو القضاء على قوة حماس العسكرية والسلطوية». وإلى جانب ذلك، تركز قيادات الجيش، في هذه الأيام، على التحقيقات التي ستُجرى قريباً، بهدف استخلاص الدروس، وتحديد أولئك المسؤولين والضالعين بشكل شخصي في الإخفاق، بما يفضي إلى تنحيتهم من مناصبهم. إلا أنه بحسب بن ديفيد، فإن «هذه التحقيقات متأخرة... ومنذ الآن، بدأ انشغال القادة العسكريين ينصب على تنظيف وصمة الفشل في 7 أكتوبر، وهو ما استحال عبئاً على الجيش، الذي يتعين عليه الإعداد لمواصلة القتال في الجنوب والاستعداد لحرب في الشمال». وخلص إلى أن «عربة الجيش سارت في صعودٍ متواصل، ولكن الآن هي في حالة مستوية. وعندما تبدأ العربة بالسير بشكل مستوٍ، ينبغي البدء بدراسة إمكانية تغيير الخيول التي تقودها».