«يبدو أنّ الانقباض المعوي (الذي نشعر به كإسرائيليين)، نابع من حقيقة أن الكارثة التي وقعت في جبل ميرون، لم تكن مفاجئة؛ فقد كنّا نعرف بالضبط موعد الاحتفالات، وموقعها، ومن سيشارك فيها، وكذلك حجم القوات المطلوبة لضمان السلامة العامة لهذا الحدث». هذا ما كتبه الأستاذان في قسم الطوارئ والكوارث في «جامعة تل أبيب»، بوروريا أديني وموران بوديس، في مقالة لهما في صحيفة «معاريف»، معلّقَين على التقرير الذي أصدرته اللجنة الرسمية للتحقيق في الكارثة. بحسبهما «في كل عام، كانت هناك خطّة منظّمة وواضحة وجرى التدرّب عليها، والتحقّق منها، واستخلاص العبر. كما كان هناك من يحذر من أن المكان معرض للكوارث»، ولكن رغم ذلك، «لم تجرَ أيّ تغييرات مهمة في ضوء التقييمات». لقد أثبتت الكارثة، طبقاً لهما، أن إسرائيل «هي مملكة الارتجال، (رغم أن الإسرائيليين) يفتخرون بالقدرة على الرد السريع، وتوفير الاستجابة الفورية لمجموعة متنوعة من حوادث الطوارئ، بمرونة كبيرة، ومن دون "البيروقراطية" التي تتسم بها مجتمعات عديدة، بما فيها الدول المتقدمة الرائدة (مثل الولايات المتحدة)». من الصحيح، بحسب الخبيرين، أن الارتجال «ليس أمراً سيئاً دوماً»، غير أن أسلوب «كل شيء سيكون على ما يرام (العبارة التي يرددها الإسرائيليون دائماً، وهي بالعبرية: هكول يهيه بسيدر)، والذي يعدّ السبب الرئيس في أن إسرائيل كانت أول دولة تنشئ مستشفى ميدانياً في هايتي بعد الزلزال القوي عام 2010»، «تحول إلى ثقافة وسلوك، على حساب التطرّق الجدي والمهني إلى التحذيرات».
الخبيران اللذان انتقدا الطريقة التي أدارت بها إسرائيل الكارثة، ذكّرا بأنه لطالما كانت حالة الطوارئ مغايرة للخطة الأصلية، وعليه، «علينا التحلّي بالمرونة اللازمة لإجراء التعديلات بناء على المطلوب». ولكن عندما «نقدس الارتجال، ولا نبني أنفسنا على الخطط التي وضعناها عندما كان لدينا الوقت للتفكير والتخطيط لكل التبعات، فإننا نجازف بارتكاب خطأ فادح». و«حتى عندما تكون هناك خطة وُضعت من دون منطق سليم، وفي ظل ظروف كان من الممكن فيها التفكير في الأحداث المستقبلية بعمق، فإننا نميل إلى التخلي عنها في لحظة الحقيقة والارتجال ببساطة»، بحسبهما.
أوصت لجنة التحقيق بألا يعيّن رئيس «الكنيست» الحالي، أمير أوحانا، وزيراً للأمن الداخلي مستقبلاً


وأتت هذه المقالة غداة نشر لجنة التحقيق الرسمية التي تشكلت في أعقاب كارثة جبل الجرمق توصياتها، وتقديمها إياها إلى الحكومة الإسرائيلية. وحمّلت اللجنة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو - الذي لا تنقصه المتاعب - مسؤولية شخصية عن الكارثة التي أودت بحياة 45 إسرائيلياً، غالبيتهم من «الحريديين»، بسبب تدافع خلال احتفال «لاغ بعومر» الديني، وبسبب إخفاقات أخرى بينها الفوضى، والخلل في بناء المرافق. وتعليقاً على ذلك، قال رئيس المعارضة، يائير لبيد، إن «نتنياهو ليس مؤهلاً (ليكون رئيساً للوزراء). وكان يتعين عليه أن يستقيل بعد يوم من وقوع الكارثة. وهذا ما كان سيفعله أي زعيم دولة آخر. والآن جاء هذا التقرير وهو يقول كل شيء. ومن خلال الاحترام لضحايا جبل الجرمق، ومن أجل منع كارثته المقبلة، عليه أن يذهب إلى بيته. فلو كان نتنياهو مواطناً عادياً، لحوكم على التسبّب بالموت من خلال الإهمال وذهب إلى السجن».
وبالعودة إلى لجنة التحقيق، فقد أوصت في تقريرها بألا يعيّن رئيس «الكنيست» الحالي، أمير أوحانا، وزيراً للأمن الداخلي مستقبلاً، باعتباره تولى المنصب أثناء وقوع الكارثة في نيسان 2021. وأشارت إلى أنها لمست أن ثمة «ثقافة سيئة داخل البيت، أدت إلى الكارثة الرهيبة. فالوضع في ميرون كان معروفاً للجميع طوال أعوام، وكان بالإمكان الحؤول دون وقوع الواقعة». وأكدت أنه «يوجد أساس معقول للاعتقاد بأن نتنياهو علم بأن موقع ضريح الحاخام شمعون بن يوحاي يُصان طوال سنين بشكل ينطوي على خلل، وأن من شأن ذلك أن يشكل خطورة على حشود الزائرين للمكان، وخاصة أثناء الاحتفال السنوي. وحتى لو افترضنا أنه لم يكن على علم واسع بوضع المكان، فإنه كان يتوجب عليه أن يعلم بذلك»؛ إذ إن المسؤولية عن الموقع «ملقاة على رئيس الوزراء، بنفسه أو عبر أجهزة تابعة له، وتدخّله (واجب) إذا اقتضت الحاجة... (ولا سيما) بعد كارثة (حريق جبل) الكرمل وما ورد بشأنه في تقرير مراقب الدولة»، في إشارة إلى حريق جبل الكرمل قبل أعوام.
واستنتجت اللجنة أن «نتنياهو علم - أو تعيّن عليه أن يعلم - بالخلل الكامن في صيانة الضريح، والمخاطر التي ينطوي عليها ذلك على الزوّار، وبالتالي العمل على إصلاحه. غير أن الخطوات التي اتخذها لم تكفِ، وخصوصاً أن القرارات التي اتخذتها الحكومة في هذا الشأن لم تطبق». أمّا بالنسبة إلى أوحانا، فإن اللجنة حملته كذلك مسؤولية شخصية، وقالت: «(حقيقة) المخاطر الناجمة عن الازدحام الشديد، كانت حاضرة أمامه، إلا أنه لم يطلب تدخلاً لتفادي هذا الخطر». وبخصوص المفتش العام للشرطة، يعكوف (كوبي) شبتاي، فقد أوصت اللجنة بإقالته أيضاً، وإن تركت تحديد موعد الإقالة إلى الحكومة، بسبب الحرب على غزة. ووفقاً لتقريرها، «صادق شبتاي على خطة الشرطة لعملية تنظيم الاحتفال، والتي وضعها لواء الشرطة في منطقة الشمال»، «رغم علمه أن منطقة الاحتفال والمناطق التي تستخدم لإشعال المواقد (كجزء من الاحتفال الديني)، لا يمكنها أن تحتوي بشكل آمن أعداد الزوار المتوقعة». وأضاف التقرير أنه «حتى عندما برزت الحاجة إلى تقييد عدد الزوار بسبب جائحة كورونا (آنذاك)، فإن شبتاي رفض ذلك من دون دراسة منتظمة ومستندة إلى الواقع، ومن دون البحث في بدائل وطرق لفرض قيود على عدد المشاركين في الاحتفال». كما أن شبتاي صادق على الخطة رغم عدم توفيرها رداً قابلاً للتنفيذ لمواجهة الاكتظاظ الخطير الذي كان متوقعاً، فضلاً عن افتقارها إلى نظام لإدارة الجمهور بناءً على اعتبارات السلامة والأمان.
إلى ذلك، أوصت اللجنة بعدم تعيين وزير الخدمات الدينية في حينه، يعقوب أفيطان، في منصب وزير في المستقبل، محمّلةً مسؤولية شخصية أيضاً لمجموعة كبيرة من ضباط الشرطة والمديرين العامين للوزارات المختلفة.