غزة | فشل الرهان الإسرائيلي مجدّداً على صناعة قيادة عشائرية في قطاع غزة، تشكّل بديلاً من حكم حركة «حماس»، والذي يَفترض جيش العدو أنه انتهى من تقويضه. فقد بعثت، أمس، العشرات من العشائر الكبيرة في شمال القطاع وجنوبه، والتي راهن الاحتلال على استمالتها لتقوم ببناء قوة نفوذ، وتتولى مهمة تسلم المساعدات وتوزيعها، برسالة إلى قيادة لجان الطوارئ الحكومية في القطاع، أكدت فيها أنها ترفض التعاون مع الاحتلال بأي شكل من الأشكال. ومن جهتها، حركة «حماس»، التي أشادت في بيان بالموقف الوطني لتلك العشائر، تعتبر أن المخطّط وإن كان في عنوانه الأول، يحمل هدف تولّي شؤون إدارة الأحياء السكنية بعيداً عنها، فإن له أبعاداً أكثر خطورة، ستنتهي إلى تشكيل جيش يستنسخ فيه العدو تجربته في جنوب لبنان (جيش لحد). لذا، ووفقاً لمصادر «حمساوية» مطّلعة، لوّح الجهاز العسكري للحركة باستخدام القوة، بحق كل من ينصاع لإغراءات العدو أو أي جهات مخابراتية خارجية، تحت طائلة المحاسبة بتهمة الخيانة.ويضاف الفشل الجديد، إلى محاولات سبقت اللجوء إلى العشائر، واستهدفت استمالة التجّار الذين تربطهم بشركات إسرائيلية علاقات وطيدة وتاريخية. والواقع أن عدداً كبيراً من هؤلاء تلقّوا اتصالات من الاستخبارات الإسرائيلية، طلبت لقاءهم في مستوطنات غلاف غزة، وأغرتهم بامتيازات كبرى في مرحلة ما بعد الحرب، إن هم وافقوا على تمرير العمل في هذه المرحلة. لكنّ إشاعة خبر واحد، بأن واحداً منهم قَبِل بالتعاون مع جيش الاحتلال، وسط أجواء المجازر والقتل المستمر، كانت كفيلة بوضعه في مصاف الخونة والعملاء. وعليه، وُئدت المساعي الإسرائيلية في مهدها.
عشرات العشائر الكبيرة بعثت برسالة إلى قيادة لجان الطوارئ الحكومية في القطاع أكّدت فيها رفضها التعاون مع الاحتلال


ثمة قسم من الشارع في غزة، كبُر أو صغر، لديه إشكاليات تاريخية مع حركة «حماس»، بسبب الطبيعة الفصائلية للحياة السياسية الفلسطينية، وما خلّفته سنوات الاستقطاب الحزبي والاقتتال الداخلي مع «فتح»، من ندوب في نسيج المجتمع. غير أن إسرائيل في هذه الحرب، وضعت الجميع في مهداف المجازر الجماعية، ووزّعت ثأرها بين طبقات كان بعضها يشعر يوماً ما، أن عداءه لـ«حماس» لا يقل كثيراً عن عدائه لإسرائيل، وخصوصاً تلك العائلات التي قضى أبناؤها في أحداث عام 2007. لذا، أضحت وصمة التعامل مع إسرائيل، أو القبول بصناعة حكم بديل تبدأ نواته من على ظهر الدبابة الإسرائيلية، إعلاناً ذاتياً بالخيانة العظمى، التي لن تُلام المقاومة، إن عالجتها بالرصاص المشفوع بالفضيحة.
تبدو «حماس» ممسكة بالقطاع حتى في هذه المرحلة من عمر الحرب، ولا تستطيع أي قوة، حزبية كانت أو عشائرية، أن تعمل في القطاع، من دون موافقة الحركة، سواء كانت تنسيقاً علنياً أو ضمنياً. ويقول مصدر أمني في «حماس»، لـ«الأخبار»، إن «كل من تواصلت معهم إسرائيل، أو استخبارات السلطة في رام الله، أو أي جهات استخباراتية خارجية، تواصلوا معنا وطلبوا رأينا بالمضي في العمل من عدمه. البعض رفضنا أن يعملوا قطعياً، بالنظر إلى تاريخهم السياسي والأمني المشبوه، والبعض الآخر، قدّمنا ملاحظاتنا على آلية العمل (...) نعطي أولوية لإدخال المساعدات لإنقاذ الناس من المجاعة، على أن لا يكون ذلك جزءاً من مخطّط مدروس، يُفضي إلى صناعة ميليشيات عائلية وعشائرية تتسلّح وتستقوي بالاحتلال أو ببعض الأحزاب».