غزة | تحوّلت المجازر التي يرتكبها جيش العدو على مفترقَي الكويت والنابلسي، إلى روتين أسبوعي، صار مفهوماً معه، أنه من المحال أن يدخل كيس طحين واحد إلى المنطقة المحاصرة منذ أكثر من ثلاثة أشهر، من دون أن يُغمّس بالدم. ليل الخميس - الجمعة، شاعت أجواء احتفالية في شوارع الأحياء المحاصرة، حيث كان يكفي أن يشقّ حلكة الليل صوت منادٍ: «شاحنات الطحين على الكويت»، حتى يهرع الرجال والشباب بالآلاف، مشياً على الأقدام، أو عبر السيارات المتهالكة، أو على العربات التي تجرّها الدواب، إلى المفترق الذي يقع جنوبي حي الزيتون شرقي مدينة غزة. «يا بنرجع حاملين أو محمولين»، بهذه العبارة اختصر جارنا حديثه إلى والدته التي جفّت دموعها وهي ترجوه عدم الذهاب، قائلة له إن حياته أغلى من كل طعام هذا العالم.على مفترق الكويت، احتشد نحو 30 ألف جائع، وانتظروا لساعات دخول شاحنات الطحين. يَفهم من يغازلون الموت بشكل أسبوعي، البروتوكول العسكري المتّبع: «تخرج دبابة الميركافا من خلف الساتر، تطلق عدّة مئات من الطلقات، تمشّط المنطقة، ثم تتراجع، حينها تتقدّم شاحنات الطحين، ويندفع الشبان للحصول على حصتهم (...) وحده جيش العدو مَن يقرّر قدر الدماء التي سيسفكها في كل ليلة، واحد أو عشرة أو مئة. المهم، أن تُعمّد كل أكياس الطحين بالدم».
براء البحري واحد من هؤلاء الشبان الذين نجوا بأعجوبة من المجزرة. التقيناه وهو مسجّى على أحد أسرّة مستشفى «الشهيد كمال عدوان». يقول لـ»الأخبار»: «حين وصلت شاحنة الطحين الأولى، بدأت دبابة الميركافا بإطلاق قذائف تجاه الشبان، أطلقوا قذيفتين في اتّجاهنا، وبعدها، بدأت طائرات الكواد كابتر والطائرات المروحية، بإطلاق الرصاص تجاه الشبان الذين اندفعوا ليحصلوا على الطحين». يتابع الشاب المصاب بطلق ناري في الكتف، وشظايا في كلّ أنحاء جسده: «غبت عن الوعي، ولَمَّا صْحيت، لقيت حولية سبعين شاب منهم مستشهد وغارق بدمو، ومنهم لسا الروح ما طلعت منه، بعضهم حاملين كياس مستشهدين وهما حاضنينها، ومنهم بيزحف ورجله مبتورة بحاول يطلع من المكان». بدوره، يؤكد ضابط الإسعاف، نبيل صقر، أن عدداً من سيارات الإسعاف حاولت الوصول إلى مكان المجزرة لإنقاذ المصابين، فعاجلتهم دبابات الاحتلال بإطلاق زخات من الرصاص الكثيف والقذائف، ما تسبّب بإصابة عدد من الممرّضين والمسعفين. ويتابع حديثه إلى «الأخبار»: «فور وصولنا، مع ساعات الفجر الأولى، حاولنا الدخول لانتشال المصابين والشهداء، فبدأت الدبابات وطائرات الكواد كابتر بإطلاق الرصاص الكثيف، أكثر من 150 بين شهيد وجريح حصيلة المجزرة، انتشلنا 20 شهيداً والعشرات من المصابين إلى مستشفيات الشفاء والمعمداني في مدينة غزة، والعودة وكمال عدوان في شمال غزة. غالبية الإصابات صعبة جداً، طلقات نارية من العيار الثقيل، وشظايا قذائف، ورصاص في المناطق العلوية من الجسم».
وكان المكتب الإعلامي الحكومي أعلن أن جيش العدو ارتكب، في خلال الساعات الـ48 الماضية، خمس مجازر في مراكز توزيع المساعدات، راح ضحيتها 56 شهيداً وأكثر من 300 جريح. كذلك، ارتكب جيش العدو 13 مجزرة بحقّ العائلات في خلال 24 ساعة، راح ضحيتها 149 شهيداً و300 مصاب، ما يرفع عدد الشهداء في اليوم الـ161 من الحرب إلى 31490 و73439 جريحاً.