رام الله | ليلة دامية عاشتها الضفة الغربية المحتلة، أول من أمس، بعدما نفّذت طائرات الاحتلال المُسيّرة عمليتي قصف في مخيّمَي جنين ونور شمس شمالي الضفة، إلى جانب اجتياح قوات العدو مدناً وبلدات ومخيّمات، في عدوان استمر حتى صباح أمس، وأسفر عن استشهاد 9 فلسطينيين، بالإضافة إلى استشهاد إبراهيم قطاش، الذي قضى في مخيم عقبة جبر في أريحا، مساءً برصاص الاحتلال. وفي التفاصيل، فإنه قبيل أذان المغرب، وفيما كان أهالي جنين ومخيّمها يستعدّون لتناول طعام الإفطار، دوّى انفجار كبير في المكان، تبيّن لاحقاً أنه ناجم عن قصف مُسيّرة لمركبة عند أطراف المخيّم، كان يقودها ثلاثة مقاومين، هم أحمد هاني بركات، ومحمد عبدالله فايد، ومحمود رحال، الذين أُعلن لاحقاً عن استشهادهم، وإصابة شخص رابع بجروح خطيرة. ووفق رواية جيش الاحتلال الإسرائيلي، فإن طائرة تابعة لسلاح الجوّ قضت على أحمد بركات ومحمد حواشين، العنصرَين البارزَين في حركة «الجهاد الإسلامي» بعدما استهدفت سيارة كانت تقلّهما في منطقة جنين، متّهمة بركات بالمسؤولية عن مقتل مستوطن في مستوطنة قرب طولكرم العام الماضي، ومحمد حواشين واثنين آخرين بالتخطيط لتنفيذ عمليات في إسرائيل. ومن جهتها، نعت «كتيبة جنين» شهداءها، وكشفت أن الشهيد أحمد بركات «أبو الهاني» هو قائد العمليات العسكرية في «الكتيبة»، والمعروف باسم «كرار فلسطين»، الذي نفّذ «عمليات جهادية أسفرت عن مقتل وإصابة جنود الاحتلال ومستوطنيه».وعلى إثر استشهادهم، شهدت جنين، مساء الأربعاء، مواجهات مسلّحة بين مقاومين وعناصر الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، خلّفت إصابات في صفوف المواطنين بعضها في الرأس، وذلك إثر توجّه مسيرة من مخيّم المدينة وهي تحمل جثامين الشهداء، في اتّجاه مقرّ المقاطعة في المدينة لمطالبة الأجهزة الأمنية بالإفراج عن عناصر «الكتيبة» المعتقلين لدى السلطة، حتى يتسنّى لهم وداع أصدقائهم. وأَطلقت عناصر الأجهزة الأمنية الرصاص وقنابل الغاز المسيل للدموع صوب المشيّعين، لتندلع بعدها مواجهات تطوّرت إلى تبادل لإطلاق النار، فيما ادّعى الناطق الرسمي باسم الأجهزة الأمنية، طلال دويكات، أن مَن وصفها بـ»مجموعة من الخارجين على القانون»، أطلقت النار على مقار الأمن في محافظة جنين، ما أدى إلى إصابة بعض أفراده بجروح، و»اضطرّ قواته لاستخدام القوّة منعاً لتفاقم الأمور». في المقابل، شهد مخيم جنين، فجر أمس، إعدام أحد المتعاونين مع الاحتلال، والذي قالت مصادر محلّية إن له علاقة باغتيال المقاومين الثلاثة. وبحسب المصادر، فإن المقاومة وبعد تتبّعها لكاميرات مراقبة منذ لحظة انطلاق سيارة الشهداء حتى لحظة الاغتيال، اكتشفت أحد المتعاونين وتمكّنت من القبض عليه بعد تسليمه من عائلته التي أعلنت براءتها منه، فيما قام شقيقه بتنفيذ حكم الإعدام. أيضاً، عمّ الإضراب الشامل، مدينة جنين ومخيّمها، أمس، حداداً على الشهداء الثلاثة، وشمل كلّ مناحي الحياة التجارية والقطاعات العامة والخاصة، بما فيها المؤسّسات التعليمية، استجابةً لدعوة القوى الوطنية والإسلامية في المحافظة، والتي شيّعت ليلاً جثامين المقاومين، في مقبرة الشهداء في المخيّم.
شهدت جنين، مساء الأربعاء، مواجهات مسلّحة بين مقاومين وعناصر الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية


ولم يقتصر التصعيد على مخيم جنين؛ ففي ساعات المساء اجتاحت قوات إسرائيلية كبيرة، مخيم نور شمس في مدينة طولكرم، مصحوبة بعشرات الآليات العسكرية والجرافات التي خلّفت دماراً كبيراً في البنية التحتية للمخيّم، طاول الشوارع الرئيسية وممتلكات المواطنين العامة والخاصة، وتحديداً الموجودة في ساحة المخيّم وعلى طول شارع نابلس المحاذي لمدخله، الذي تعرّض لتدمير كامل، وهو في الأساس المدخل الرئيسي للمخيم والمدينة، والذي يربطها ببلداتها الشرقية وباقي محافظات الضفة. وقصفت طائرات الاحتلال، في اللحظات الأولى من الاقتحام، مجموعة مواطنين في «نور شمس» ما أسفر عن استشهاد شابين، بينما استمرت عمليات مداهمة منازل المواطنين وتجريف الشوارع وتدمير البنية التحتية لساعات، بالتزامن مع استمرار الاشتباكات المسلّحة العنيفة وتفجير العبوات الناسفة، لترتفع حصيلة الشهداء في المخيم، مع انسحاب قوات الاحتلال صباح أمس، إلى أربعة هم: محمد جبعاوي، و‏عبد الله القيسي، و‏نضال أبو عبيد، وإياد كانوح. كذلك، فرض جيش العدو، خلال عدوانه المتجدد، حصاراً على «نور شمس»، إضافة إلى مستشفيات المدينة، نُشرت فرق القناصة في محيط المخيم وعلى أسطح المنازل، كما منع عمل الطواقم الطبية، فيما عمّ الإضراب الشامل والحداد طولكرم ومخيميها حتى ساعات ما بعد الظهر، بالتزامن مع تشييع الشهداء ومواراتهم الثرى. وإذ امتد الاقتحام لنحو 10 ساعات، فقد قالت مصادر محلّية إن حجم التدمير كبير جداً، وتحديداً في مركز المخيم عند مركز «الأونروا»، وفي الشارع الرئيسي الممتدّ من نابلس إلى طولكرم، إضافة إلى حيَّي المسلخ والمنشية.
وأولت وسائل الإعلام العبرية اهتماماً كبيراً لاقتحام نور شمس، و»العملية العسكرية» الإسرائيلية في المخيم، إذ تصدّر الخبر المواقع الإخبارية الإسرائيلية، فكتب موقع صحيفة «يديعوت أحرنوت» أنه «منذ السابع من أكتوبر نفّذ الجيش 40 عملية عسكرية في مخيمات الضفة الغربية، والعملية الحالية في مخيم نور شمس هي الثانية منذ بداية شهر رمضان». ويدّعي جيش الاحتلال أن العمليات في المخيمات تتمّ بالاستناد إلى معلومات استخبارية، وتهدف إلى إحباط نشاط مسلحين فلسطينيين، وتنفيذ اعتقالات واسعة، والكشف عن بنى تحتية للمقاومة وجمع أسلحة، والكشف عن العبوات المزروعة في الشوارع، والبحث عن فتحات أنفاق أينما وجدت. وأضاف الموقع أن مخيم نور شمس يُعتبر أحد «مراكز الإرهاب» شمالي الضفة، والمسلحون فيه «يحاكون عمل الكتائب التي تعمل في مخيم جنين»، متابعاً أن «المسلّحين أقاموا غرفة مراقبة، ولديهم مخزون من الأسلحة، ويقومون بدفن العبوات الناسفة لتفجيرها بجنود الجيش خلال الاقتحامات»، وأن الجيش يجمع معلوماته في الدرجة الأولى من عمليات التحقيق مع العدد الكبير من الأسرى الذين يعتقلهم.
إلى ذلك، شيّع الفلسطينيون في محافظة رام الله والبيرة، جثمان الفتى محمد نشأت صالحية من مخيم الأمعري، والذي أُعلن عن استشهاده متأثراً بإصابته برصاص الاحتلال، مساء الأربعاء، خلال اقتحام العدو مدخل محافظة رام الله.