رام الله | من أين يخرج المقاومون؟ من الجبال، من أشجار الزيتون، من بين الصخور، مع آخر العتمة وأوّل شعاع شمس؟ يسأل ضابط الاحتلال نفسه، من دون أن يستطيع إيجاد جواب شافٍ، وهو يرى أمام عينيه الجنود الذين تحت إمرته يسقطون أرضاً بالرصاص، فيما هو عاجز عن تحديد مصدر إطلاق النيران لساعات. هكذا كان الحال، صباح أمس، عندما أصيب 7 من جنود العدو، أحدهم بحالة حرجة جداً (موت سريري)، و2 بجروح خطيرة، والبقية بين متوسطة وخفيفة، في اشتباك مسلّح خاضه مقاوم واحد لأكثر من 4 ساعات، بين قريتي دير ابزيع وكفر نعمة غرب رام الله، مع مئات الجنود الإسرائيليين الذين فشلوا في الوصول إليه، ليستنجدوا بسلاح الجو الذي ظلّ مستنفراً لساعات طويلة بحثاً عن المشتبك، قبل أن تستهدفه طائرة «أباتشي» ويرتقي شهيداً. والاشتباك المسلح هذا، سبقته عملية إطلاق نار نفّذها المقاوم الشهيد نفسه، مجاهد بركات منصور (من قرية دير ابزيع)، استهدف عبرها حافلة مستوطنين في وادٍ متاخم لمستوطنتي «دوليف» و«طلمون»، المقامتين على أراضي القرى الفلسطينية هناك، لكنها لم تسفر عن وقوع إصابات، رغم حدوث أضرار كبيرة في الحافلة. وفي أعقاب العملية، دفع جيش الاحتلال بتعزيزات إلى ما بين قريتي دير بزيع وكفر نعمة، فيما شرعت طائراته الحربية في عملية تمشيط بحثاً عن المقاوم. وخلال ذلك، وقعت اشتباكات مسلحة مع الأخير، بعد أن نجح في الانسحاب إلى منطقة جبلية تزخر بأشجار الزيتون والصخور. وفي السياق، تؤكد مصادر محلية، في حديثها إلى «الأخبار»، أن« جيش الاحتلال والعناصر الأمنية استنفروا على الشوارع ومحاور الطرق بشكل غير مسبوق، مع وصول تعزيزات عسكرية من دون توقف إلى المنطقة، تحت غطاء الطيران»، قبل أن «تهبط طائرة مروحيّة في محيط موقع الاشتباك، ويُسجّل قدوم سيارات إسعاف إسرائيلية لنقل الجرحى».
وتحمل العملية الفدائية الجديدة مؤشرات عدة، أهمها النوعية العالية والكفاءة في القتال، وهذا ما أشارت إليه الصحافة العبرية التي صنّفت المقاتل بأنه من «وحدات النخبة»، نظراً إلى أنه أرهق جيشاً بأكمله، رغم أن جيش الاحتلال دفع منذ بدء شهر رمضان بـ23 كتيبة عسكرية إلى الضفة، بينما كثّف من حواجزه العسكرية التي ناهزت 750 حاجزاً تقطع أوصال المناطق المحتلة وتخنقها، فضلاً عن تحوّل المستوطنين إلى مليشيات مسلّحة. ومع توارد أنباء الاشتباك وصوره، استذكر الفلسطينيون عملية «عيون الحرامية» التي وقعت في 3 آذار 2002، والتي نفذها الأسير ثائر حماد من بلدة سلواد، على أحد حواجز العدو شمالي رام الله، وتمكن آنذاك من قتل 11 جندياً ومستوطناً وجرح 9 آخرين بـ26 رصاصة، قنصاً، قبل أن ينسحب من المكان بهدوء إثر انفجار بندقيته، ليعجز الاحتلال طوال 30 شهراً عن الوصول إليه.
شهدت مدينة طوباس، فجر الجمعة، اشتباكات مسلّحة عنيفة بين قوات الاحتلال ومقاومين


وتأتي عملية دير ابزيع، استكمالاً لسلسلة عمليات نوعية شهدتها الضفة في الأسابيع القليلة الماضية، آخرها استدراج ضابطين من «الشاباك»، وإطلاق النار عليهما قرب بيت فجار في بيت لحم، وهو ما سبقه استدراج لجنود الاحتلال قرب جنين وتفجير عبوة ناسفة بهم، ما أدى إلى إصابة 7 منهم. كما تأتي العملية بعد ساعات من عمليات الاغتيال الإسرائيلية التي استهدفت مقاومين فلسطينيين في جنين وطولكرم وأريحا، وأسفرت عن سقوط 9 شهداء، وهو ما يعدّه مراقبون مؤشراً إلى تصاعد غليان الضفة، وإمكانية تدحرج الأوضاع فيها نحو مزيد من التصعيد. ومساء الخميس، استشهد الشاب محمد مأمون حواشين (28 عاماً)، متأثراً بإصابته جراء قصف العدو مركبة على أطراف مخيم جنين أول من أمس، ليرتفع عدد شهداء قصف المركبة المذكورة إلى 4، فيما استشهد شاب وأصيب شخصان برصاص قوات الاحتلال خلال اقتحام الأخيرة مخيم عقبة جبر في أريحا.
وعلى خط مواز، شهدت مدينة طوباس، فجر الجمعة، اشتباكات مسلحة عنيفة بين قوات الاحتلال ومقاومين، أظهرت مقاطع مصورة تفجيرهم سيارة مفخّخة بآلية عسكرية. ووفقاً لبيان مشترك لـ«كتائب القسام» و«سرايا القدس»، فإن المقاومين نجحوا في «تفجير وإعداد كمين محكم لآليات العدو وجنوده داخل المدينة واستهدافهم بالعبوات والأسلحة اللازمة». أيضاً، أعلنت «القسام» في الضفة أن مقاتليها تصدوا، في الساعات الـ48 الماضية، لاقتحامات الاحتلال وآلياته في مخيم نور شمس بطولكرم، ومدينة طوباس، ومخيم عقبة جبر في أريحا، وقد تمكنوا من استهداف عدد من الآليات بعبوات ناسفة مجهّزة سلفاً وحققوا فيها إصابات مباشرة، كما نفذوا عدة عمليات إطلاق نار هجومية استهدفت حشوداً عسكرية للاحتلال ومواقع مستحدثة في شمال ووسط الضفة. ومساء الخميس، أصيب 3 مستوطنين بجروح، جراء إلقاء قنبلة يدوية على حافلة قرب مستوطنة «غوش عتصيون» جنوب شرق مدينة بيت لحم، جنوبي الضفة. وحول الحادثة، قالت مصادر عبرية إن «حافلة للمستوطنين تعرضت لإلقاء عبوة ناسفة، جنوب شرق بيت لحم، أثناء سيرها ما بين مستوطنة افرات وبلدة تقوع، وإن انفجارها تسبّب بإصابة ثلاثة مستوطنين بالصدمة، بينما لحقت أضرار بالحافلة»، بينما قال شهود عيان إنهم سمعوا صوت انفجار كبير أعقبه تصاعد دخان من المنطقة الغربية للبلدة.