زغرتا ــ فريد بو فرنسيسالبناء قديم، لا يوحي إطلاقاً بوجود معصرة للزيتون في داخله. فهو متداخل الى حد بعيد مع البيوت السكنية المنتشرة كشبكة حوله. أما الوصول إليه فيحتم عليك المرور بين المنازل التي عادة ما يجلس أصحابها على شرفاتهم المطلة على الأزقة الداخلية، يحتسون القهوة أو يتسامرون. رائحة «زيبار الزيتون» تصل إليك عندما تقترب من المدخل، فتدرك أنك وصلت الى المعصرة. وإن كان لديك شك، فضجيج مولد الكهرباء الذي يعمل على المازوت والذي جهز خصيصاً لتزويدها بالطاقة، يؤكد لك أنك وصلت. ولكن مهلاً. من أين أتى مولّد كهرباء في الحديث عن معصرة زيت قديمة تعمل بجهد اليد؟ سرعان ما تفهم أن القطعة الوحيدة الناقصة في عمل المعصرة هي البغل الذي يجر حجارة المعصرة والذي استعيض عنه بمولّد كهرباء. على المدخل تتراكم أكوام أكياس الزيتون فوق منتظرة دورها بالعصر. أما العمال، فيدخلون ويخرجون كالنحل ناقلين الأكياس المملوءة بحبات الزيتون. وفيما يرى البعض «أننا تطوّرنا ولا حاجة لنا إلى هذه المعصرة المتعبة والقديمة» يقول البعض الآخر «هذه التي تقولون عنها متعبة وقديمة كان أجدادكم يستعملونها، ومنها كانوا يحصلون على أجود أنواع الزيت الذي لا يزال طعمه تحت أضراسهم».
وتتألف «المعصرة القديمة» من حجرين من الصخر الصلب، تصل بينهما عصا حديدية تسمّى مقود المعصرة، وبدل أن يعمل «البغل» على إدارة الحجرين، استُبدل بمولّد كهربائي يعمل على المازوت، بينما أجزاء المعصرة الاخرى لا تزال تعمل يدوياً وبواسطة العمال. فحبوب الزيتون تغسل بالمياه داخل أجران كبيرة، يستبدل العمال المياه بعد كل «نزل» وتوضع في «الدست الكبير» تحت حجارة الصخر لتهرسها وتحولها الى مادة لزجة مملوءة بمادة الزيت. ثم ينقل العمال تلك المادة اللزجة من «الدست الكبير» الى جرن أصغر حجماً، ليبدأ وضع كميات قليلة منه في «الخوص» ثم تحت «المكبس» لتخرج منها مادة الزيت الى برك صغيرة مشغولة بدقة تحته، وهناك يترك مدة لكي «يرقّد» فتنفصل المواد التي لا تزال تشوبه لتبقى في القعر، فيما يطفو ما خلا ذلك. وبعدها تتم تعبئته، وتتحول المادة اللزجة منه الى جفت يحرق ليتحول الى «دق» وهو فحم ناعم يستخدم في التدفئة.