أنطون الخوري حربتنسحب أزمة تأليف الحكومة المتأتّية من إصرار رئيس الجمهورية ميشال سليمان على إسناد حقيبة الدفاع إلى شاغلها الحالي إلياس المرّ في مواجهة مطالبة تكتل التغيير والإصلاح بها، على التصوّر الأمني الذي سيواكب حقبة العهد الرئاسي الجديد. وفيما يتركّز النقاش السياسي على توزيع الحقائب الوزارية، يذهب رئيس الجمهورية في اتجاه مختلف للإمساك بالملف الأمني عبر وزارة الدفاع وقيادة الجيش ومديرية المخابرات.
وإذ يدرك الرئيس أن في هذا الملف شراكة أساسية للقوى السياسية المعنية، وفي مقدمّها حزب الله، فهو يميل إلى أخذ الحصة الكبرى من هذه الشراكة لتحصيل موقع قوة له من جهة، ولموازنة هذا الملف مع الفريق الأكثري من جهة أخرى.
وفي هذا الإطار، تحدثت مصادر حكومية عن أهمية اختيار قائد جديد للجيش تتحقق من خلاله الشراكة بما يرضي الأطراف المعنيين. وتقابل جهات معارضة هذا التوجه باعتراض مبدئي لكون الملف الأمني يجب أن يكون مجرداً من أية حسابات سياسية، وبالتالي فإن أمن المجتمع والدولة هو ملف قائم بذاته ولا يمكن حامله أن ينجح في مهمته حين يكون مكبّلاً بمطالبات السياسيين وتدخلاتهم في المؤسسة.
وتطرح الجهات المعارضة معياراً علمياً لاختيار قائد جديد للجيش، وهو اختيار الضابط الماروني الذي يتقدم على زملائه من حيث الرتبة والأقدمية في الخدمة والكفاءة دون الاهتمام بميوله السياسية، طالما أنه سيكون خاضعاً للسلطة التنفيذية ولإشراف رئيس الجمهورية.
وفي هذا الإطار، تطرح مجموعة أسماء من الدورة العليا للضباط العامين، ومنهم العميد طعان حرب أحد رفاق دورة العماد سليمان، إلا أن مشكلة أفراد هذه الدورة أنهم على مشارف الخروج من الخدمة لاقترابهم من السن القانونية للتقاعد.
أما الدورة التي تلي دورة سليمان فهي دفعة اللواء فرانسوا الحاج، ومنها العميدان آرمان طبشي وشربل برق.
وإذا اعتمد المعيار السياسي، فالضابط الأكثر شهرة من هؤلاء هو مدير الاستخبارات جورج خوري الذي يعدّ الأوفر حظاً نظراً إلى مطالبة حزب الله والبطريرك نصر الله صفير به، بالإضافة إلى عدم وجود سبب لرفضه لدى سائر الأطراف.
لكن وصوله إلى قيادة الجيش سيكون سابقة لوصول مدير الاستخبارات إلى هذا المنصب الذي لم يسبقه أي من أسلافه في الوصول إليه، وهذا يعني أن النجاح في إدارة الملف الأمني لدى الفرقاء السياسيين بات يحجز مكاناً له على طريق الوصول إلى قمة القيادة العسكرية.
وبالانتقال إلى الدورة التالية، فإن الأسماء البارزة ضمنها هي قادة الألوية ومنهم شارل شيخاني وجان قهوجي وبول مطر المعروفون بنجاحهم في أداء مهماتهم، والمعروفون كذلك لدى الجمهور العوني بكونهم كانوا ضباط ميدان إبان عهد الحكومة العسكرية التي كان يترأسها العماد ميشال عون عامي 1989 و1990. لكن الاهتمام السياسي بهذه الأسماء يتراجع لمصلحة العميد خوري، ولا سيما أن مواقعهم لا تسمح لهم بإقامة علاقات سياسية مع المعنيين، بخلاف موقع الأخير.
أما إذا جرى اعتماد معيار الكفاءة المتلازمة مع العلاقة الجيدة بالأطراف المؤثرين، فيبرز اسم الملحق العسكري اللبناني في واشنطن العميد أنطوان أبي سمرا الذي تجمعه علاقة متينة بسليمان، لكن المشكلة هي في انتسابه إلى دورة حديثة في الترقّي إلى مرتبة الضباط العامين رغم اعتباره مرجعاً في الشؤون العسكرية.
في الخلاصة، لا يمكن فصل موضوع القيادة العسكرية عن القيادة الأمنية التي تخضع لمعايير مختلفة، منها أن يكون المدير المقبل لاستخبارات الجيش من عداد ضباط المديرية، كما يجب أن يكون من الناجحين والمقرّبين من رئيس الجمهورية. ويبرز في هذا الإطار اسم رئيس منطقة جبل لبنان في المديرية العقيد جوزف نجيم الذي كان يشغل منصب نائب رئيس جهاز أمن المطار قبل التشكيلات الأمنية الأخيرة، وهو شخصية بعيدة عن الأضواء وتتمتع باحترام معظم القوى المسيحية في الموالاة والمعارضة على حدّ سواء، مما يوحي بحسم المنصب الأمني الأول في الجيش لمصلحته.
وترى الجهات المعارضة أنه لا أهمية للفصل أو الجمع بين الدورين الأمني والدفاعي في عهد الرئيس سليمان، فدور وزير الدفاع محصور بإتمام المعاملات الخاصة بالمؤسسة العسكرية لدى مجلس الوزراء، وبإنجاز المهمات المتعلقة بالجيش والتي تكلفه بها الحكومة.
ووفق هذا الواقع يصبح دور وزير الدفاع رمزياً، لكن هذا لا يقلّل من أهمية هذه الرمزية التي تجعل الوزير أكثر أعضاء الحكومة اطّلاعاً على أوضاع الجيش ومطالبه. لذلك، فإن التفاهم بينه وبين قائد الجيش ضروري أكثر بكثير من شرط وجود هذا التفاهم بينه وبين رئيس الجمهورية، لأن الوزير في النهاية هو طرف سياسي وليس واجباً أن يكون متخصصاً بالشؤون العسكرية. ومن هنا، تتخوف الجهات المعارضة من أن يكون وراء الإصرار على إسناد الدفاع إلى المر ما يتجاوز القاعدة الصحيحة لتوزيع الحقائب السيادية بين الكتل النيابية لتحقيق صفقة في القيادة العسكرية، فيما يتأهب الجيش لولوج مرحلة جديدة سيحتاج فيها إلى كل الدعم السياسي، إضافة إلى تأمين مستلزماته اللوجستية والإعدادية وما يرافق ذلك من انطباعات تعيد إلى الأذهان التصرفات المشبوهة التي رافقت اتفاقات تجهيز الجيش وتعيين قادته.