غسان سعود
مراجع دولية تتابع تفاصيل المعركة عن قرب قبل إعادة النظر في سياستها تجاه لبنان

وسط احتدام الحرب الكلامية بين التيار الوطني الحر وحزب الكتائب على خلفية الانتخابات الفرعية في المتن الشمالي، التي تنذر بمعركة سياسية طاحنة في صناديق الاقتراع في الخامس من آب المقبل، رجحت مصادر معنية بهذا الاستحقاق أن يقبل مجلس شورى الدولة الطعن بقانونية المرسوم الصادر في هذا الشأن بناء على المراجعة المقدمة من مرشح التيار كميل خوري، وذلك بعدما أقفل العماد ميشال عون باب «التسويات الفوقية» التي تنتهي جميعها إلى الطلب منه الموافقة على تزكية الرئيس أمين الجميّل «من دون أن يضطر الأخير إلى زيارة دارة الرابية على الأقل، أو الاعتذار من الجمهور العوني عمّا قالته قواعده بحقهم طوال الشهور الماضية».
وأشارت المصادر الى أن المجلس بقبوله الطعن يكون «فريق 14 آذار» تجنّب «صفعة موجعة بعدما حسم النائب ميشال المر وحزب الطاشناق أمريهما إيجاباً بدعم مرشح المعارضة وحرّكا ماكينتيهما بشكل قطع على الرئيس الجميّل أي أمل بالفوز»، معتبرة أن انسحاب السلطة من المواجهة عبر قرار «شوروي» سيكون على رغم كل انعكاساته «أقل سوءاً بكثير من استمرارها في المعركة الخاسرة، وخصوصاً أن مراجع دولية تعنى بالشؤون الداخلية اللبنانية تتابع تفاصيل المعركة عن قرب، قبل إعادة النظر في سياستها تجاه لبنان».
وفي انتظار تبلور الصورة أكثر، تكثفت الحركة السياسية ـــــ الانتخابية في المتن، واستُنفرت ماكينتا الفريقين ميدانياً، فيما بدا المشهد هادئاً بين بكفيا، بلدة الجميّل، والجارة التي تسندها، قرنة الحمرا، بلدة خوري، علماً أن الغالبية الشعبية في البلدتين المذكورتين أيدت في انتخابات 2005 النائب الراحل بيار الجميل. ويوازي عدد ناخبي بكفيا أربعة أضعاف عدد ناخبي قرنة الحمرا.
وعلى الرغم من اشتداد حدة المواجهة بين الفريقين المتنافسين على المقعد النيابي الشاغر، يشدد أهالي البلدتين على حسن الجوار بينهما، مذكّرين بأن العلاقة بينهما لم تشهد توتراً طوال السنوات الماضية إلا مرة واحدة حين خطف أحد شبان القرنة، قبل أكثر من خمسة عقود، صبية من بكفيا وهرب معها إلى فنزويلا، فطالب أهلها باسترجاعها وتوترت الأجواء قليلاً بين البلدتين، قبل أن يبادر أحد مخاتير بكفيا ويصالح العائلتين معيداً الأمور إلى مجاريها. ويشار في هذا السياق أيضاً إلى ارتفاع نسبة الكتائبيين في القرنة مقارنة مع البلدات المتنيّة الأخرى.
وتتوزع في هذه البلدة الواقعة أسفل الطريق العام الفيلات الفخمة والكنائس ومزارات القديسين. وعلى رغم هدوء طباع الأهالي وطابع البلدة القروي، تبرز بقوة انقساماتهم السياسية بين معسكري الموالاة والمعارضة. فيبدي بعض الموالين انزعاجهم من اضطرار «الشيخ أمين» للترشح بعد كل هذا العمر، وعدم سعيه الجدي للتوافق مع العماد عون. ويقول بعض المعارضين إن ترشيح العماد عون لخوري أتى مفاجئاً حتى لبعض أقطاب المعارضة في المتن، ومن دون استشارتهم. وينتهي الفريقان إلى السؤال عن قدرة ابن القرنة على الوقوف في وجه ابن بكفيا مع كل ما يملكه «الشيخ» من رصيد عائلي وحزبي وتاريخي، فضلاً عن القدرة على الإنفاق الانتخابي.
لكن رئيس لجنة الأطباء في التيار المرشخ كميل خوري يبدو واثقاً بعائلته، تاريخاً وخطاباً وحجماً، مؤكداً «أن شباب التيار الوطني الحر تعلموا طوال السنوات الماضية أن يقدموا انتماءهم لتيارهم ووطنهم على كل الانتماءات الأخرى، ولطالما حظي خطابهم الثائر على الإقطاع المذهبي والمناطقي والعائلي تجاوباً كبيراً وسط اللبنانيين». ويوضح خوري، الآتي إلى التيار منذ نهاية الثمانينيات من خلفيّة كتلويّة، أن نشاطه العوني بدأ منذ برز العماد عون، وبعد تخصصه في أمراض الجهاز الهضمي في جامعة ليون في فرنسا، عاد إثر تسلّم العماد عون السلطة ليتطوع في المستشفى العسكري. ويشير الطبيب الذي لم يتجاوز خمسين عاماً إلى محطات نضالية في حياته مركّزاً على خبرته النقابية الكبيرة، ومشاركته في معظم نشاطات التيار، واستدعائه للتحقيق معه بتهمة المطالبة بالحرية والسيادة والاستقلال عدة مرات. ويوضح أن لجنة الأطباء التي يرأسها قدمت عدة برامج طبية ومشاريع قوانين ستعرض على المجلس النيابي لتحقيق إصلاح صحي جذري. وعلى صعيد آخر، يأمل خوري عودة قريبه عبد الله خوري، الذي زار الرئيس الجميل أخيراً، إلى مكانه الطبيعي وسط قياديي التيار الوطني الحر، موضحاً أن خوري يعتبر من مؤسسي التيار في المتن، وخلافه معه تنظيمي.
من جهة أخرى، بدأ الكتائبيون إعادة إنعاش ماكينتهم، محاولين التوفيق بين الاستفادة من المصاعب التي واجهتهم في انتخابات 2005 واستيعاب الجمهور الذي انضم إليهم إثر اغتيال الوزير الجميل. والعقبة الأساسية التي تعترض الماكينة الكتائبية، بحسب أحد أقطابها، تكمن في غياب الوزير الجميل، المحرك الأساسي لماكينة 2005، إضافة إلى مشكلة لوجستية تتعلق بفارق الحجم، في يوم الانتخابات، بين ماكينتي الكتائب من جهة، والتيار الوطني الحر وحلفائه من جهة ثانية، الأمر الذي رجحت مصادر كتائبية أن يُعالج عبر الاستعانة بمناصري «القوات اللبنانية» و«تيار المستقبل» من خارج المتن، مع أخذ المشاكل التي قد تنجم من هذا الأمر في الاعتبار. ويذكر أن كتائبيّي المتن رفعوا صور الرئيس الجميّل في معظم البلدات، وشهدت «بيوت» الحزب حركة لافتة في اليومين الماضيين، حيث تكثفت الاجتماعات. وكان بعضها مشتركاً بين الكتائبيين وحلفائهم في قوى 14 آذار.
أما بالنسبة إلى التيار الوطني الحر، فيعرب أمين سره أنطوان مخيبر عن ثقته بعدم حاجة ماكينتهم الى وقت طويل للانطلاق، مشيداً بسرعة لقاء المسؤولين عن ماكينات التيار والمر والطاشناق في الليلة التي أعلن فيها التكتل خوض المعركة، وبدئهم العمل فريقاً واحداً. وتوقع مخيبر أن تتألف ماكينة المعارضة في يوم الانتخابات من قرابة عشرة آلاف متني، يضاف إليهم إذا لزم الأمر عشرون ألفاً من مؤيدي التيار في المناطق، علماً أن عدد ناخبي المتن وفق لوائح الـ2005 بلغ 163069، وعدد المقترعين 83502، فيما لن يتعدى عدد المقترعين في هذه الانتخابات بحسب أكثر المتفائلين خمسين ألفاً. وكشف مخيبر عن استحداث عدة مكاتب للتيار في المتن، فيما يعد فريق المعلوماتيّة في التيار بإنجازات مهمة على صعيد ربط المعلومات خلال يوم الانتخابات.
وفي انتظار الخامس من آب، يعدّ كل من التيار والكتائب لمهرجان كبير يسبقه لقاء يجمع الرئيسين الجميّل وعون بماكينتيهما، فيما علمت «الأخبار» أن صوراً عدة من تشييع بيار الجميل قد تكون عاملاً مهماً في تصويب اتجاه المعركة وتحديد معالمها بالنسبة إلى التيار الوطني الحر.