أنطوان سعد
ما لا شك فيه أن موازين القوى الداخلية الحالية مختلفة كثيراً عما كانت عليه في الفترة التي شهدت إعداد اللجنة الوطنية المكلفة وضع قانون الانتخاب لتصورها الذي جاء في النهاية صورة عن واقع حال الحياة السياسية اللبنانية. لقد شهدت الأشهر العشرة المنصرمة الكثير من الأحداث والمنعطفات التي خلطت الأوراق وبدّلت المعطيات في شكل لافت. وبعدما كان التصور الذي توصلت إليه اللجنة أفضل الممكن قبل عام، أصبح هذا المشروع في ظل التبدلات الحاصلة أقل الممكن. أما أبرز عاملين في تغيير الوضع فهما:
ـــ انعكاس ورقة «التفاهم» التي تم التوصل إليها بين التيار الوطني الحر وحزب الله إيجابياً على الوضع المسيحي عموماً ومن ضمنه القيادات المسيحية المتحالفة مع تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي. فصحيح أن هذه الورقة أنهكت العماد ميشال عون شعبياً في الوسط المسيحي بفعل مترتباتها عليه، خصوصاً إبان حرب تموز والاعتصامات القائمة في وسط بيروت وما تخللها من أحداث مؤسفة في يوم الإضراب وفي محيط الجامعة العربية في بيروت. لكنها من جهة جعلت حزب الله والوسط الشيعي عموماً يشعران بأنه في شكل أو في آخر مدين لعون وللمسيحيين على وجه الإجمال، ومن جهة ثانية أعطت الفرصة للقوات اللبنانية كي تعزز موقعها في قلب حركة 14 آذار.
ـــ انهيار التحالف الرباعي الذي قام بين تشرين الأول من سنة 1992 حتى تموز 2006. فتحت رعاية سوريا، حصل تفاهم ضمني بين الرئيس الراحل رفيق الحريري والوزير وليد جنبلاط من جهة وحزب الله من جهة ثانية، فيما كان الرئيس نبيه بري أقرب إلى الحريري وجنبلاط. ويقوم هذا التفاهم على إطلاق يد حزب الله في الجنوب مقابل أن يغض النظر عن عملية تقاسم النفوذ بين الثلاثة الآخرين الذين تقاسموا فيما بينهم الحصة المسيحية في مجلسي النواب والوزراء وفي الإدارات والمؤسسات العامة. وبعدما انسحبت سوريا، تجدد هذا العقد على مشارف الانتخابات النيابية التي جرت في ربيع عام 2005، وجرى تكريسه في التشكيلة الوزارية الحالية وفي البيان الوزاري، واستمر حتى اندلاع حرب تموز. غير أن أداء تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي خلال هذه الحرب، وبروز توجه في الأكثرية لوضع قيود على حركة حزب الله في الجنوب، جعلا هذا الحزب يعتبر أنه في حلّ من التزاماته السابقة. وبات بالتالي غير موافق على عملية هيمنة المستقبل والاشتراكي على الحصة المسيحية في المؤسسات الدستورية والمرافق الحكومية. وصار ميالاً لعقد تفاهم مع القوى المسيحية لمساعدتها على إقرار قانون انتخاب يعيد لها حضورها المفقود منذ سنة 1992.
ويبدو أن تيار المستقبل قد بدأ يعي حجم التغيرات المشار إليها، لذلك أطلق في الآونة الأخيرة سلسلة إشارات إيجابية تبدي استعداده للقبول في اعتماد القضاء دائرة انتخابية بعدما كان عارض هذا الأمر في ربيع العام الماضي في شكل قاطع لأنه ينطوي على تقسيم بيروت إلى ثلاث دوائر. وكان هذا التصلب من جملة العوامل التي دفعت بالعضوين المارونيين في اللجنة الوطنية المكلفة وضع تصور لقانون الانتخاب، ميشال تابت وزياد بارود، إلى مقاطعة اجتماعاتها. وقد بررت أوساط المستقبل لبكركي موقفها الإيجابي حيال اعتماد القضاء بالقول إن الرئيس الحريري كان قد وعد بذلك قبل اغتياله.
أما الأوساط المسيحية فترى على وجه الإجمال، أن الفرصة سانحة لإنجاز ما كان يصعب إنجازه في السنوات الماضية، ولا بد من عدم إضاعتها لأنها قد لا تتكرر. وهي ترى أنه من الضروري المباشرة في تحقيق مطلب أساسي هو خفض عدد النواب إلى 108 وفق ما ورد في اتفاق الطائف، أو على الأقل إعادة توزيع المقاعد بشكل يحفظ صحة التمثيل. ومن ثم التوصل إلى تفاهم عام لاعتماد أحد التقسيمات الانتخابية التالية:
ـــ الدائرة الفردية على دورتين.
ـــ مشروع الوزير السابق ناجي البستاني القائم على تقسيم الأقضية إلى 35 دائرة انتخابية.
ـــ القضاء مع إعطاء صوت واحد لكل ناخب.
تقسيم محافظات الشمال وجبل لبنان والبقاع والجنوب إلى ثلاث دوائر وبيروت إلى اثنتين، على قاعدة النسبية، في شكل لا يجعل مقاعد طائفة خاضعة لتأثير كبير من طوائف أخرى.
وترى هذه الأوساط أن تصور اللجنة الوطنية يبقى صالحاً لأن يكون منطلقاً للبحث على اعتبار أنه أقل الممكن شرط إزالة الاستثناء الذي لا يزال يلاحق جبل لبنان.