نقولا ناصيف
مذ بدأ تنفيذ القرار 1701، في آب الفائت، تنامى التأييد الأميركي للجيش اللبناني من بعد سياسي الى آخر عسكري يرتبط بتقديم مساعدات للمؤسسة العسكرية اللبنانية في الاضطلاع بدورها في تنفيذ قرار كان قد عَهَد اليها في تطبيقه، على أن تؤازرها القوة الدولية. حتى ذلك اليوم كانت ثمة شكوك أميركية في دور محتمل للجيش نظراً الى هيمنة سورية مشهودة عليه منذ اجتياح الجيش السوري المناطق المسيحية وإطاحته العماد ميشال عون في 13 تشرين الأول 1990. مذذاك، مع دور ملحوظ للاستخبارات العسكرية السورية في السيطرة على نظيرتها اللبنانية، تدخّل السوريون في معظم شؤون الجيش اللبناني، تشكيلات وترقيات ودورات واستمالة ضباط لبنانيين الى عنجر وإبعاد آخرين الى الأطراف النائية والتضييق عليهم، وبينهم مَن انتُقِمَ منه. كان الجيش اللبناني بنداً رئيسياً في استراتيجيا الأمن القومي السوري في إدارتها لبنان وسوريا على السواء. وبعد انهيار دور دمشق في لبنان وانسحاب جيشها واستخباراتها العسكرية في 26 نيسان 2005، بدأ الجيش اللبناني يتصرّف بخصوصية دوره في لبنان خارج التأثير السوري، من غير أن يتجاهل وثيقتين «تقبضان» عليه بطريقة ما، صدرتا عام 1991: معاهدة الأخوّة والتعاون والتنسيق، والاتفاق الأمني.
كل الانطباعات المحيطة بهذا الواقع بدّدها ما ترتب على حرب تموز، وتحديداً القرار 1701. وأكثر المعنيين بالتحوّل في الموقف من الجيش هم الأميركيون الذين يجدون في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة صورة نموذجية لما يسمّونه «الحكومة المنتخبة»، المنبثقة من انتخابات ديموقراطية هي انتخابات 2005 لم تتدخّل فيها دمشق، والممثّلة للغالبية التي انتصرت في تلك الانتخابات. على هذا النحو يقارب الأميركيون العلاقة بالجيش اللبناني بإيجابية تذكّر بالدور الذي اضطلعوا به في لبنان إبّان تدخّلهم مع الفرنسيين والإيطاليين تحت غطاء القوة المتعددة الجنسية على أثر الاجتياح الإسرائيلي عام 1982. وبلغت ذروة التنسيق بإنشاء غرفة عمليات مشتركة في اليرزة بين الجيشين اللبناني والأميركي استمرت حتى 1988.
وتبعاً لما يورده مولجون أميركيون بملف علاقتهم بالجيش اللبناني، فإن هذه تطبعها الاتجاهات الآتية:
1 ــ ثمة خطوات متدرجة في المساعدات العسكرية الأميركية للبنان التي يرى هؤلاء أنها «قد تكون غير مشعّة كما ينتظر البعض»، ولكن الخطوة الأولى تبدأ ممّا يحتاج اليه الجيش اللبناني حاضراً، وهو قطع غيار أسلحته وخصوصاً الآليات والطوافات والتدريب. ولاحظ خبراء أميركيون أن في الجيش قطعاً عسكرية جيدة وسلاحاً كثيراً، ولكنه يفتقر الى صيانتها، ويتركز الاهتمام الأميركي كذلك على تدريب عسكريين لبنانيين لتأهيلهم لتولي التدريب في قطعهم العسكرية اللبنانية. أما الخطوة الثانية، فتزويد الجيش آليات جديدة يعوّض بها القديمة مع نظام استخدامها. ولذا طلب الأميركيون من قيادته أن تعدّ برنامج حاجات تسلّحه لتزويده إياها، لا أن يضع الأميركيون هذا البرنامج.
2 ــــــ منح الكونغرس الأميركي الجيش مساعدات ليتولى هو شراء حاجاته من التسلح. وتقدّر المساعدات بـ 240 مليون دولار من بينها 40 مليوناً للسنة الجارية، في انتظار معرفة نتائج الانتخابات النصفية للكونغرس الشهر المقبل لتحديد مساعدات سنة 2007. لكن مبلغ الـ40 مليوناً لا يقتصر على التدريب وقطع الغيار، بل يشمل منشآت لا يُحصر استخدامها بالعسكريين، كإعادة بناء قسم الطوارئ في المستشفى العسكري المركزي (وأيّد الأميركيون هذه المساعدة لأن نسبة كبيرة من المستفيدين من المستشفى مدنيون من ذوي العسكريين). وسيتولون بناء مبنيين في الشوف وجبيل لرجال الإطفاء ومركز للخدمات الاجتماعية والاقتصادية والتجارية، الى تدريب البحرية اللبنانية وصيانة زوارقها.
3 ـــــ كانت الموافقة على المساعدات المالية للجيش مقررة منذ ما قبل حرب تموز، ثم أُعيدت الموافقة عليها بعدها. وبناء على ذلك سيصل الى بيروت الشهر المقبل مسؤولون أميركيون معنيون بملف المساعدة العسكرية للكشف على المشاريع التي سيصار الى تنفيذها ضمن مبلغ الـ40 مليون دولار، وكذلك على وضع خطط لمشاريع مماثلة أخرى. ويدخل في هذه أيضاً مبلغ مليون ونصف مليون دولار لإزالة الألغام التي تركتها الحرب الإسرائيلية على الأرض اللبنانية ونزعها والقذائف غير المنفجرة. ويتولى هذه المهمة ثلاثة أشخاص مدنيين مقيمين في لبنان بصفة دائمة، يزوّدون الجيش اللبناني التقنيات والتدريب اللازم. ووفق ما يقوله خبراء عسكريون أميركيون، فإن فرقة نزع الألغام التابعة لفوج الهندسة في الجيش يعتبرها هؤلاء «الأفضل بين جيوش المنطقة». وتتجه الإدارة الأميركية السنة المقبلة الى تخصيص 2،2 مليون دولار لاستكمال مهمة نزع الألغام والقذائف غير المنفجرة. وتعمل عليها أيضاً مؤسسات خاصة أو ذات صلة بالحكومة الأميركية.
4 ــ هناك إصرار من الإدارة الأميركية على مساعدة «الحكومة اللبنانية المنتخبة» في حماية السيادة على كل الأراضي اللبنانية وعند الحدود على نحو ما تقرّره هذه الحكومة. وينطوي هذا الموقف على تكرار الدعم الأميركي لحكومة السنيورة. إلا أن ذلك لا يحجب ما أثار انتباه الأميركيين وكذلك ضباط كبار في جيوش دول أعضاء في مجلس الأمن، وهو أن الجيش اللبناني، على ضعفه ومحدودية قدراته التقنية واللوجستية، نفّذ كل ما ناطه به القرار 1701. ولمس هؤلاء العسكريون مقدار تأثير هذا الالتزام الذي هو هدف المجتمع الدولي في أن يرى القرار 1701 قد نُفّذ، وأن الجيش اللبناني المسؤول عن تنفيذه على الأراضي اللبنانية أدى دوره كاملاً في الانتشار بسرعة قصوى بناءً على طلب الحكومة.
5 ــــــ تُدرج واشنطن المساعدات العسكرية للجيش اللبناني في نطاق «خطة مساعدة دولية» لا أميركية فحسب. وتعكس ذلك التعليمات التي تبلّغها المولجون الأميركيون بهذا الملف قبل مجيئهم الى لبنان، وهي أن عليهم أن يبذلوا قصاراهم من أجل مساعدة «الحكومة اللبنانية المنتخبة» في المحافظة على السيادة الوطنية لهذا البلد. لكن الخبراء الأميركيين لمسوا أن ما طالب به الجيش اللبناني من مساعدات اتسم بالحكمة على ما يقولون. ويرون في الوقت نفسه أن ما طلبه الجيش ــــــ وإن انبثق من قرارات عسكرية ـــــ هو في نهاية المطاف قرارات سياسية تؤيدها السلطة الحكومية المركزية.
6 ــــــ بات الجيش اللبناني في نظر الأميركيين جيشاً للبنان المستقل وللبنانيين جميعاً. ويعتقدون أنه يكاد يكون على صورة «الحكومة اللبنانية المنتخبة» التي باتت تملك سلطة القرار الوطني الحر بعد خروج الجيش السوري من لبنان. ومن غير أن يتجاهلوا المرحلة السابقة من التأثير السوري عليه، يلاحظ المولجون بهذا الملف أن الجيش الأميركي الذي تأسس عام 1776 بعد الحرب الأهلية لبث مئة سنة حتى ظهر فيه أول ضابط أسود. وهي إشارة صريحة الى ضرورة التعويل على عامل الوقت. وبكثير من الاهتمام يقول المولجون أنفسهم إنهم «يشعرون بأن قيادة الجيش اللبناني قد أصبحت خارج تأثير سوريا أو أي تأثير آخر». أضف أنهم يعتقدون أن إدارتهم لا تستطيع مساندة جيش لا يدعم «الحكومة الوطنية المنتخبة» ويلتزم أوامرها، «وخصوصاً أن دعم هذه الحكومة يمثّل دعم السكان والمواطنين الذين انبثقت الحكومة المذكورة من إرادتهم».