إن نظام المحكمة يجب أن ينزَّه من كل مكامن التناقض والأخطاء على أنواعها
صدرت عن رئيس الجمهورية إميل لحود دراسة معمّقة ومفصّلة لمضمون مسودة الاتفاق بين لبنان والأمم المتحدة ومشروع المحكمة الخاصّة. ورأت الدراسة أن تأليف محكمة يشارك فيها أقليةً قضاة لبنانيين هو أمر حساس من حيث إنه سابقة في القضاء الجنائي الدولي الذي لم ينظر الى حينه في جريمة ارهابية فردية وسياسية. ورفض الرئيس أن يجعل من لبنان حقل تجارب واختبارات، كما وصف واضعي الاتفاق الدولي ومشروع المحكمة بالمرتبكين


اطلع رئيس الجمهورية اميل لحود على مسودة الاتفاق بين الامم المتحدة والجمهورية اللبنانية في شأن تأسيس محكمة خاصة للبنان المؤرخ في 18/10/2006، وعلى مشروع نظام المحكمة الخاصة للبنان المؤرخ في 18/10/2006. ووضع الرئيس ملاحظاته على مسودة الاتفاق ومشروع نظام المحكمة وأرسلها الى رئيس الحكومة ووزير الخارجية للاطلاع عليها وإجراء المقتضى، كما أودعت نسخة من هذه الملاحظات وزير العدل لأخذ العلم. وفي النص الآتي أهمّ ملاحظات الرئيس على مسودة الاتفاق بين الأمم المتحدة والجمهورية اللبنانية ومشروع المحكمة الخاصة:
الاتفاق بين الأمم المتحدة ولبنان
أولاً، إن عنوان الاتفاق يعتمد تسمية للمحكمة هي «المحكمة الخاصة للبنان» يحذّر الرئيس من اعتمادها ومن تداعياتها على مكانة لبنان الدولية، فتغيب صفة «الدولية» أو «ذات الطابع الدولي» عنها وتحمل إلى الاعتقاد أن لبنان بلد منبوذ يحاكم من أجل جرائم ارتكبها أو ارتكبتها جماعة أو أقاليم أو سلطة مركزية فيه، كالإبادة الجماعية أو التطهير العرقي، وتطلب رئاسة الجمهورية اعتماد التسمية التي أطلقت على وظيفة لجنة التحقيق الدولية المستقلة.
ثانياً، إن المادة 52 من الدستور تعتبر رئيس الجمهورية متولّياً المفاوضات لعقد المعاهدات الدولية وإبرامها، على أن يكون ذلك بالاتفاق مع رئيس الحكومة؛ فهو المحور، وهو المحرّك ويستمدّ مرتكزه وأساسه وقوته وشرعيته من المادة 49 من الدستور التي تصف موقع الرئاسة ودورها، كما من القسم الرئاسي المنصوص عنه في المادة 50 من الدستور، وتمرّ المعاهدات الدولية بمراحل ثلاث لا يمكن الانتفال من مرحلة منها الى أخرى الا بعد استنفاد المرحلة الاولى إيجاباً: 1ــ مرحلة تولّي رئيس الجمهورية المفاوضة وإبرام المعاهدة الدولية بالاتفاق مع رئيس الحكومة، ولا يعني التولّي القيام شخصياً بالضرورة بالمفاوضة، بل المقصود الإشراف شخصياً على موضوع المفاوضة ومراحلها وتطوراتها عن طريق الاطلاع عليها تباعاً والإلمام بها تمكيناً من إجراء عملية التقويم وإعطاء الملاحظات والتوجيهات. 2ــ مرحلة الإبرام الإجرائي: إذا توافق الرئيسان على مشروع المعاهدة الدولية وتمّ لهما إبرامه، يعرض المشروع على مجلس الوزراء مجتمعاً كي يصبح مبرماً إجرائياً. 3ــ مرحلة الإبرام التشريعي، أي موافقة مجلس النواب. وإذا لم يبادر رئيس الدولة الى إبداء موافقته الصريحة والفعلية على شكل الاتفاق الدولي ومضمونه كاملاً بالاتفاق مع رئيس الحكومة، لا يمكن أن يعرض مشروع اتفاق دولي كهذا على مجلس الوزراء، ويقف الامر عند هذا الحدّ.
ثالثاً، إن هذا الاتفاق يجب أن ترفق به وتؤلف معه المستندات الاساسية الآتية: 1ــ أصول إجراءات المحاكمة وقواعد الإثبات لدى المحكمة. 2ــ نظام حماية الضحايا والشهود. 3ــ كل مستند أو اتفاق مالي، أي متعلق بتمويل المحكمة. إن هذه المستندات تكاد تكون أكثر اهمية من الاتفاق ذاته، وهي تجسّده وفيها المضمون الجوهري وأصول التجريم وفرض العقوبات.
رابعاً، إن المادة الأولى من مشروع الاتفاق، توسع زمنياً وموضوعياً ولاية المحكمة الدولية الخاصة كي تشمل محاكمة المسؤولين عن أفعال أخرى مماثلة بطبيعتها وخطورتها لجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، والتي حصلت في لبنان بين الأول من تشرين الأول 2004 و12 كانون الأول 2005. إن هذا التوسيع يتعارض مع ما ورد في المادة الأولى من مسودة نظام المحكمة الخاصة تاريخ 18 تشرين الأول 2006، مما يدل على الارتباك في وضع النصوص، وأيضاً على قرار سياسي بإبقاء الوضع الأمني في لبنان، والوضع الإقليمي، استنسابياً وانتقائياً تحت السيطرة السياسية لأصحاب النفوذ والمشاريع. وإن هذا الاستنساب يخالف المبادئ القانونية التي ترتكز عليها المحاكمات الجزائية ويتعارض مع قرارات مجلس الأمن 1664 و1595 و1636 و1644 و1686.
خامساً، إن تعيين القضاة اللبنانيين يكون بواسطة الأمين العام للأمم المتحدة من بين أسماء تضمها لائحة تضعها الحكومة اللبنانية بناء على اقتراح مجلس القضاء الأعلى. وفي هذا الصدد يسأل الرئيس عن المعايير التي سوف يعتمدها الأمين العام لاختيار القضاة اللبنانيين وعن دور وزير العدل في عملية الاختيار هذه. (...)
سابعاً، إن المادة 4 من مشروع الاتفاق تعطي أمين السجل (موظف في الأمم المتحدة) حق إدارة الموارد المالية والبشرية في المحكمة الخاصة، وإذا كان تمويل المحكمة لبناني المصدر، كلياً أو جزئياً، فالأجدر أن يصار الى وضع اتفاقية التمويل بالترافق والتزامن والترابط مع هذا الاتفاق، وأن يلحظ في هذه الاتفاقية دور ما للسلطات اللبنانية المختصة في مراقبة أوجه استعمال هذا المال العام.(...)
عاشراً، تنص المادتان 9و10 من مشروع الاتفاق على الحصانات التي يتمتع بها مكتب المحكمة الخاصة في لبنان. وتقترح رئاسة الجمهورية أن تنسحب الحصانة الدبلوماسية لمكاتب الأمم المتحدة على هذا المكتب، لا سيما أن الحصانة الدبلوماسية محددة في القانون الدولي العام (معاهدة فيينا 1961). وهنا تسأل إذا كان القضاة اللبنانيون يستفيدون أيضاً من هذه الامتيازات والحصانة الدبلوماسية في بلدهم، وهذا ما يتعارض مع معاهدة فيينا.(...)
ثاني عشر، تنص المادة 15 من مشروع الاتفاق على أن الحكومة اللبنانية سوف تتعاون مع أجهزة المحكمة الخاصة لجهة تمكين المدعي العام من زيارة المواقع ومقابلة الأشخاص والاستحصال على المستندات اللازمة في إطار التحقيق. وعلى الحكومة اللبنانية أن توقف أو تبقي قيد التوقيف الأشخاص الذين تسمّيهم المحكمة، وأن تنقل إليها المشتبه فيهم أو المتهمين. وتشير رئاسة الجمهورية إلى أنه لم يرد في هذا النص أن هذه الأعمال سوف تحصل ضمن الأراضي اللبنانية فقط.
ثالث عشر، تنص المادة 16 من مشروع الاتفاق على تعهّد الحكومة بعدم ﺇعمال العفو لمصلحة أي شخص يدان من المحكمة الخاصة. إن هذا الأمر يتعارض وأحكام العفو العام أو الخاص المنصوص عليها في الدستور الذي يحدد أصحاب الاختصاص (رئيس الجمهورية ومجلس النواب). وإن الاختصاصات الدستورية غير قابلة للمساومة أو التنازل عنها. وهذا يعني أن هنالك تعارضاً بين هذه المادة وأحكام الدستور.(...)
مشروع نظام المحكمة الخاصة بلبنان
وفي ما يأتي أهم ملاحظات رئيس الجمهورية على مشروع نظام المحكمة الخاصة للبنان المؤرخ في 18/10/2006:
أولاً، موضوع التسمية الذي ورد في ملاحظات الرئيس على مسودة الاتفاق بين لبنان والأمم المتحدة (الملاحظة الاولى) والملاحظات التي تتعلّق بالبنود المذكورة آنفاً ينبغي إضافتها إلى النصّ. تقول رئاسة الجمهورية إن مشروع نظام المحكمة يجب أن ينزّه عن كل مكامن الارتباك والتناقض والأخطاء على أنواعها، وأن يتضمن بصورة دقيقة وغير قابلة للتفسير أو التأويل أو الاستنساب ولاية المحكمة الموضوعية والنوعية، أي الجريمة التي أودت بحياة الرئيس رفيق الحريري ورفاقه.(...)
ثالثاً، ترغب رئاسة الجمهورية في أن يصار إلى اعتماد قانون العقوبات اللبناني دون الاكتفاء باستثناء بعض أحكامه تحديداً، كتلك المتعلقة بعقوبة الإعدام مثلاً. (...)
خامساً، إن المادة 3 من مشروع نظام المحكمة تستعيد في فقرتها الثانية مسؤولية الرئيس المسؤول الجنائية بفعل عمل المرؤوس كما وردت في نظامي محكمة روندا ويوغوسلافيا السابقة. إلا أن هذه الاستعارة لا تجوز على الاطلاق في حالتنا لأن الجريمة فردية وليست شاملة ومتمادية، وتطاول جماعة أو إقليما بأكمله بشكل لا يمكن معه التنكر لمسؤولية الرئيس الجنائية عن فعل مرؤوسه.
سادساً، إن مشروع النظام لم يلحظ إمكان إحالة قضايا من المحكمة الدولية الخاصة إلى القضاء اللبناني. وترى رئاسة الجمهورية أنه يجب فصل التحقيق عن المحكمة الدولية وفصل وظيفة التحقيق عن وظيفة المدعي العام، لا سيما أن القرارات الدولية ذات الصلة قد اوجدت تحقيقاً دولياً مستقلاًّ لمساعدة التحقيق تمهيداً للاتهام ثم المحاكمة فالإدانة.
سابعاً، إن نص المادة 5 مقتبس بصورة خاصة من نظام المحكمة الخاصة بسيراليون. إلا أن الظروف التي دعت إليه في حينه كانت مختلفة تماماً عما هي الحال في القضاء اللبناني بالنسبة لجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، ذلك أن المحاكم الوطنية في سيراليون كانت قد أصدرت أحكاماً بالعفو العام عن جميع المتهمين، وهو ما فرض على العدالة الدولية تخطّي هذا العائق بإلغاء مفاعيل هذه الأحكام.
ثامناً، تشير رئاسة الجمهورية إلى النواقص الآتية: 1ــ لم يشر مشروع النظام إلى إمكان أو عدم إمكان تعيين أكثر من قاض واحد غير لبناني من رعايا دولة واحدة. 2ــ لم يشر مشروع النظام إلى آلية إعادة تعيين القضاة لفترة اضافية. 3ــ لا يشير مشروع النظام إلى كيفية ملء الفراغ في حال شغور أحد المناصب، أو إلى إمكان إقالة أحد القضاة أو المدعي العام أو نائبه أو أمين السجل لأسباب تأديبية. 4ــ لا يشير مشروع النظام إلى أية هيئة قضائية أو إدارية يمكن مراجعتها في حال مخاصمة أحد القضاة أو موظفي المحكمة الخاصة لأسباب إدارية أو مالية.
تاسعاً، إن مشروع النظام يغفل أحكام المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لجهة حق الموقوف بطلب إخلاء سبيله من المدعي العام لدى المحكمة ضمن مهلة زمنية معقولة إذا لم تتوافر لدى هذا الأخير أدلة في حقه تجيز استمرار التوقيف.
عاشراً، إن صلاحيات القاضي غير اللبناني المكلف بإعداد الدعوى والمعيّن من الأمين العام للأمم المتحدة، تتجاوز مجرد تجميع الملف إلى التدخل مباشرة في مجريات التحقيق والمحاكمة، حتى إنه قد يعيد النظر منفرداً في قانونية الأدلة المتوافرة في التحقيقات القضائية اللبنانية أو تحقيقات لجنة التحقيق الدولية. وهو يوجّه الدعوى كما يريد، بدون شورى أو مراجعة. فهل تتأمن في ذلك استقلالية التحقيق والمحاكمة وحيادهما وفقاً لأعلى معايير العدل الجنائي الدولي؟
حادي عشر، إن في الباب الرابع من المشروع بدعة لأن الاقلية (القضاة اللبنانيين) خاضعة لقرار الأكثرية (القضاة الاجانب) في مرحلتي المحاكمة. هذا إذا لم نفترض الانسجام المسبق مع ما تقرّره الأكثرية من إجراءات قد تُستمدّ على الأرجح من أنظمة المحاكمات الأنغلوساكسونية التي لم ينشأ ولم يتمرس عليها يوماً القضاة اللبنانيون.



تعليقان لحمادة ورزق على ملاحظات لحود

علّق وزير الاتصالات مروان حمادة على دراسة الرئيس لحّود بقوله: «ما نشهده اليوم تحت عنوان الملاحظات الرئاسية هو مخالفة دستورية وهرطقة قانونية وفضيحة سياسية» وسأل: «متى كان المشتبه فيه، أو بالأحرى القاتل، مقتبساً للنصوص والإجراءات والأصول القانونية التي تناسبه في سياق المحاكمة؟» أضاف «إن الحجج الدستورية والقانونية الصادرة عن مديرية الرئاسة والمخالفة للخيارات الوطنية وللإجماع اللبناني حول طاولة الحوار تحملنا على التأكد، بعد الظن، أن أصحاب قرار الاغتيال ومنفذيه وشركاءهم أضحوا في حال هلع حقيقية في المثول أمام القضاء الدولي. في كل الأحوال، إن الثلاثين صفحة ونيف الصادرة عن اميل لحود تحولت الآن إضبارة اتهام في حقه وحق أولياء أمره ورفاق دربه، لا بد على أساسها من العودة الى طرح موضوع أزمة الحكم، أي أزمة رئاسة الجمهورية المفتوحة منذ أيلول 2004 في رأس أولويات أي حوار أو تشاور مرتقب».
كما قال وزير العدل شارل رزق أن «لا رئيس الجمهورية ولا رئيس الحكومة حتى ولو توافقا يستطيعان أن يقررا إبرام معاهدة دولية من دون موافقة مجلس الوزراء. أما المادة 65 من الدستور فتنص على أن الاتفاقات والمعاهدات الدولية هي من المواضيع الأساسية التي تتطلب لإبرامها موافقة ثلثي أعضاء الحكومة المحدد في مرسوم تشكيلها». وأكّد أن الحكومة أعطته الصلاحية لمتابعة موضوع المحكمة الدولية «وفقاً للقانون» (حديث الى «المؤسسة اللبنانية للإرسال» أمس)




بيان وزارة العدل


صدر عن المكتب الإعلامـي لوزارة العدل ما يلي: «1ــ فور تلقّي وزارة العدل بعد ظهر اليوم نسخة عن الملاحظات الصادرة عن رئاسة الجمهورية حول مشروع تأسيس المحكمة الدولية ومشروع الاتفاقية بين الأمم المتحدة ولبنان، عكف الاختصاصيّون في وزارة العدل على دراسة هذه الملاحظات نظراً لمصدرها.
2ــ تبيّن من مراجعة المستندين المرفقيْن بالملاحظات أن هذين المستندين لا يتعدّيان كونهما مسوّدتين مؤقّتتين بدليل تداخل اللغتين الإنكليزية والفرنسية فيهما وطبع عبارة سرّي للغاية عليهما ونرجو بالتالي ألاّ يسبّب نشرهما أزمة بين لبنان والأمم المتحدة.
3ــ لا تزال وزارة العدل بانتظار النص النهائي لمشروعَيْ نظام المحكمة والاتفاقية باللغات الثلاث الرسمية (العربية والفرنسية والإنكليزية) من قبل الأمم المتحدة».