أنقر على الرسم البياني لتكبيره
بالمقارنة بين السيناريوهين الأساسي والمعدّل، يتبيّن أن هناك مؤشّرين رئيسين يستهدفهما خبراء صندوق النقد الدولي: زيادة الأصول الأجنبية وزيادة أصول القطاع المصرفي، ففي حين يتّجهان نزولاً في سيناريو إجراءات الحكومة، يصعدان في سيناريو اقتراحات خبراء الصندوق. إذ سيخسر لبنان 16 مليار دولار من أصوله الأجنبية في غضون 5 سنوات، وفق السيناريو الأساس، وستتراجع أصول القطاع المصرفي من 443% من مجمل الناتج المحلّي في العام الجاري إلى 432% في عام 2024. أمّا وفق السيناريو المعدّل فسترتفع الأصول بالعملات الأجنبية بقيمة 18.4 مليار دولار، وسترتفع أصول المصارف إلى 500% من مجمل الناتج المحلّي. وهنا يكمن أصل الموضوع، فخبراء الصندوق لا يقترحون أي تغيير في النموذج الاقتصادي اللبناني وآليات إعادة توزيع الثروة والدخل، بل بالعكس تماماً، فجلّ همّهم هو المحافظة على هذا النموذج وتحميل كلفة إنقاذه للطبقات الدنيا والمتوسّطة.
يقول البيان الختامي (حرفياً) إنه «على الرغم من مهارة مصرف لبنان في الحفاظ على الاستقرار النقدي لسنوات عدّة في ظلّ ظروف عصيبة، فقد زادت التحدّيات التي يواجهها في قيامه بهذه المهمّة». ويقول أيضاً إن «إعادة التوازن للاقتصاد في الإطار الحالي لنظام سعر الصرف الثابت أمام الدولار الأميركي، تتطلّب عملية ضبط مالي كبيرة وموثوقة يتمّ تنفيذها بقوّة وإصلاحات هيكلية طموحة»، ويضيف: «نظراً لتثبيت سعر الليرة مقابل الدولار، سيكون من الضروري إجراء إصلاحات هيكلية عميقة لتعزيز الصادرات من أجل التصحيح الخارجي».
بمعزل عن السجال الضروري حول «الوصفة» التي يقترحها خبراء الصندوق لتفادي تخفيض سعر الصرف الثابت أو انهياره، والتي تعتبر أن الضبط المالي (أي المزيد من التقشّف والانكماش) والإصلاحات الهيكلية (أي المزيد من تقليص القطاع العام) «هما السبيل الوحيد لخروج لبنان من وضعه الحالي». فإن هذه «الوصفة»، التي يتوجّب الاعتراض عليها، هي نفسها التي تتبنّاها الحكومة اللبنانية، والتي سيظهر المزيد من فصولها في الأشهر المقبلة. وهذا ما بشّر به رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، في ردّه على مداخلات النواب في جلسة مناقشة موازنة عام 2019، ولا سيّما إعلانه الصريح عن توجّه واضح لدى الحكومة وهو «تقليص حجم القطاع العام وتكبير حجم القطاع الخاص». وقال: «هذا توجّه لا غنى عنه»، محدِّداً ثلاثة أهداف له: مواصلة تثبيت سعر صرف الليرة، ومواصلة تسديد الدَّيْن وفوائده، والمحافظة على القطاع المصرفي.
لا يبدو أن هناك فارقاً جوهرياً بين ما تقوم به الحكومة وما يقترحه صندوق النقد، لا في الأهداف ولا في الوسائل، كلّ ما في الأمر أن الصندوق يعتقد أن الوضع أخطر ممّا تعتقد الحكومة، ويدعوها إلى التحرّك أسرع وبقسوة أكبر وأشدّ، فالمجتمع غير موجود، لا في وصفة الصندوق ولا في توجّه الحكومة، إلّا لخدمة مصالح رأس المال وربحيّته.