محمد خيركلا، إنّها ليست «موسم الهجرة إلى الشمال» أو «قنديل أم هاشم». على رغم أنّ رواية «وداعاً أيتها السماء» لحامد عبد الصمد، المصري المقيم في ألمانيا، تجربة تشترك مع العنوانين الأولين في عزف نغمة الشرق والغرب، إلا أنّه تشابه على مستوى «الحدوتة» لا العمق أو الترميز، أو كما يحكي الراوي نفسه «بدت لي قصة حياتي كأنّها نسخة مصوّرة وغير أصليّة». الرواية رشّحها ناشرها «ميريت» (القاهرة) للمشاركة في مسابقة «بوكر» العربية. وهي وإن لم تحظ بالدخول إلى القائمة الأولية التي أعلنتها لجنة التحكيم، فإنّ ترشيح «ميريت» في حد ذاته يعني تقديراً خاصاً من دار تزدحم بروايات الأدب الجديد. غير أنّ الترشيح نفسه يصبّ في تيار الأدب «السهل» بالمعنى النقدي، إذ إنّ رواية عبد الصمد أقرب إلى سيرة ذاتية مكتوبة بتقنية بسيطة بلا تعقيدات سردية وبلغة رشيقة وجذابة. 250 صفحة من المتعة المؤكدة، لكنّها ليست متعة التلقي الروائي، بقدر ما هي لذّة التلصّص على حياة أخرى، خصوصاً عندما تكون كحياة شاكر عبد المتعال، بطل الرواية الذي ارتحل به مصيره، من مصر إلى أوروبا وشرق آسيا، ومن دفء ـــــ وقسوة ـــــ الريف، إلى برد ـــــ وثقافة ـــــ المدن الصناعية، هي رحلة ملأى بالحكايات المشوّقة التي يبدو بعضها بلا هدف سوى التسلية، وأحياناً أخرى تعبّر عن رحلة أخرى في وجدان الراوي، فهو من الإيمان إلى الشك إلى الإيمان وهكذا. علاقة مضطربة لخّصتها عبارة زوجته كونستانس: «من يرد أن يستغني عن السماء لا يقل لها وداعاً». هي جملة بسيطة أخرى، وموقف البطل لم يكن مفاجئاً «لم أستطع التنازل عن الله، لأنني لم أجد له بديلاً». المدن والطائرات والحدود والحب والانفصال، مفردات تخلّلت الرواية، لكها لم تكن مصدر الألم الحقيقي، بل الطفولة التي زاد من قسوتها تعرّض البطل لتجربتي اغتصاب: الأولى وهو في الرابعة من عمره. أما الثانية فكانت وهو على مشارف البلوغ. الهزة التي أصابته ظل يعاني من ارتداداتها طوال حياته، والكراهية التي ملأته تجاه طفولته امتدت لتشمل كل ما كان ينتمي إليه، وروابط المحبة لم تعد أكثر من علاقات اضطرار، والنتيجة هروب مستمر لا من المكان فقط بل من الذات أيضاً. ليس غريباً إذن أن يقضي البطل كثيراً من الوقت في مصحات نفسية. وهو وإن خاض تجارب السفر والحب والجنس والفلسفة إلى منتهاها، إلا أنّه ظل وحيداً، يعاني كثرة الأسئلة وقلّة الإجابات.