بشير صفير
ما إن أعلِن عن صدور تسجيله الأخير الذي خصّ فيه ــــ دفعةً واحدة ــــ الكونشرتوهات الخمسة للبيانو والأوركسترا لبيتهوفن، حتى بات عازف البيانو الروسي الكبير يفغيني كيسين الشغل الشاغل للصحافة المتخصصة بالموسيقى الكلاسيكية في العالم وللمهتمين من الجمهور. كيسين المولود عام 1971، لا يدرج في خانة أترابه من الموسيقيين. على رغم صغر سنّه ووجهه الذي لم يخسر أياً من ملامح الطفولة، فهو يُنظر إليه كعازف مخضرم لأنه بدأ مسيرته الفنية باكراً (جداً). هكذا استحق العازف البريء لقب «الطفل المعجزة» عن جدارة، ليعيد إلى العبارة معناها الحقيقي البعيد من المغالاة. فالقول إن كيسين بدأ دراسة البيانو وهو في الثانية من عمره لا يعني أنّه جلس يضرب عشوائياً على مفاتيح الآلة، فخُيِّل إلى والدته أن طفلها باشر التأليف الموسيقي. وما يثبت حقيقة الموهبة المبكرة هو سلسلة الإنجازات التي حقّقها كيسين لاحقاً: أحيا أمسيته الموسيقية الأولى وهو في العاشرة من عمره ثم أصبح إصداره لكونشرتوهات شوبان الاثنين للبيانو، التسجيل الذي يقوم به أصغر عازف بيانو (13 سنة) في تاريخ الموسيقى الكلاسيكية (وهو تسجيل جيد ينافس المتخصصين بشوبان)، قبل أن تصل أخباره إلى الأسطورة هيربرت فون كارايان ويؤدي تحت قيادته (وإلى جانب الأوركسترا الفلهارمونية لمدينة برلين، وهي الأهم في العالم) الكونشرتو الأول للبيانو، رائعة تشايكوفسكي التي تخيف بصعوبتها كل العازفين، لناحية صعوبتها أولاً وشدة ضيق هامش الأداء فيها ثانياً (الأداء بالمعنى الخاص بالموسيقى الكلاسيكية، أي إضفاء اللمسة المعبِّرة دون تغيير أي نوتة).
بعد عشرات الأسطوانات، ومئات الأمسيات، ينقضّ كيسين بكامل تقنيته ورقة إحساسه، على عمل بيتهوفن الضخم، ترافقه الأوركسترا الفلهارمونية لمدينة لندن بقيادة كولن دايفس، فمتى «يجرؤ» خليفة هوروفيتز وريختر على المواجهة الأصعب مع المؤلف الألماني ويكمل تسجيل السوناتات الـ32، بعد تحدٍّ خجول نتجت منه سوناتة وحيدة («ضوء القمر»)؟
| تجرأ على الكونشرتو الأول للبيانو، رائعة تشايكوفسكي التي تخيف كل العازفين |
|