بعدما أنعشت البولونية فاندا لاندوفسكا (1879 ــــ 1959) آلة الكلافسان مطلع القرن العشرين، تبنى الهولندي غوستاف ليونهاردت (1928) هذه الآلة التي كادت تنقرض بعدما أصبح البيانو الطفل المدلل في فئته منذ قرابة قرنين. الصحافة الغربية احتفت أخيراً بعيد ميلاد ليونهاردت الثمانين. إذ يعدّه المهتمون بالموسيقى الكلاسيكية والعاملون في مجال الثقافة عموماً، أسطورةً حية على أكثر من صعيد. درس ليونهاردت العزف على آلتَيْ الكلافسان والأرغن الكنسي في بلده الأم، ثم انتقل إلى عاصمة الموسيقى فيينا ليكمل دراسته، وأصبح مدرساً في معاهدها. سجّل أعمالاً لمؤلفين كثر، معظمهم من حقبة الباروك (وما قبلها)، صدرت في عشرات الأسطوانات. ويضم ريبرتواره الضخم أعمالاً للكلافسان (بجزئه الأكبر) أو الأرغن (أعمال قليلة نسبياً)، وخصوصاً أعمال رمز حقبة الباروك جان ــــ سيباستيان باخ الذي خصّ هاتين الآلتين بروائع كثيرة. إضافة إلى ذلك، كانت له تسجيلات لأعمال تولى قيادة الأوركسترا في تقديمها، وأبرزها التسجيل التاريخي لرائعة باخ «الآلام بحسب القديس متى». مثّل باخ محور نشاط غوستاف ليونهاردت الموسيقي الذي اختير عام 1967 ليمثل شخصية المؤلف الألماني الكبير في فيلم «يوميات آنا ـــ ماغدالينا باخ» (زوجة باخ الثانية) للمخرج النمساوي جان ــ ماري شتراوب. وعلاقة ليونهاردت بباخ تعود إلى بداياته، فقد وضع الموسيقي الهولندي عام 1952 كتاباً بعنوان L'art de la Fugue شرح فيه وصية باخ الموسيقية، أي العمل الأخير الذي تركه قبل وفاته (يحمل العنوان نفسه). وقبل الكتاب، اختار ليونهاردت هذا العمل الذي يكتنف أعقد ما يمكن أن يُكتب في مجال التقابل الموسيقي (Contrepoint)، ليستهل مسيرته الفنية في عالم الأداء عام 1950.
احتضان ليونهاردت لآلة الكلافسان سعياً إلى الأمانة المطلقة لإرادة باخ (الذي كتب أعمالاً كثيرة لهذه الآلة، لا لآلة البيانو كما كرستها العادة منذ أواسط القرن العشرين)، أثر في عدد من موسيقيّي الأجيال اللاحقة الذين فهموا سرّ الدقة الكامنة في صوت الآلة القديمة، مثل أندرياس شتاير وكريستوف روسيه وبيار هانتاي وسيلين فريش، وغيرهم.