strong> خليل صويلح
المقدّمة العاطفية التي استهلّ بها غسان بن جدو برنامج «حوار مفتوح» على قناة «الجزيرة» مساء السبت الماضي، لم تنقذ الحلقة من البقاء على السطح في مقاربة موقف الفن من السياسة وبالعكس. وذلك لمناسبة الجدل الذي دار أخيراً حول عرض مسرحية «صح النوم» لفيروز في دمشق. هكذا عوض أن تتمحور الحلقة حول العلاقات السورية اللبنانية وتأثير الفنّ في ردم الهوة السياسية، انفتحت الحلقة على قضايا عدة، منها القطيعة التي كانت قائمة بين العراق والكويت ومدى تأثّر وتأثير الفنانين على الجانبين في التقريب بين الشعبين... وصولاً إلى حال الفن في المغرب العربي ومدى مقاربته السياسة. وتساءل أولاً عن إمكان إنجاز فنّ، بعيداً من التدخل الأمني والسلطوي؟
ضيوف الحلقة (لطيفة التونسية، والمغنّي السوري سميح شقير، ونقيب الفنانين العراقيين يحيى الجابري) حاولوا التأكيد على أن الفنان ملك نفسه، يصعب تطويعه لمصلحة ما هو عابر، وهو لم ولن يخضع لإرادة السياسيين. هذا الكلام بدا عائماً في الهواء أمام وقائع لا تُحصى بخصوص ارتماء الفن فوق «حرير» الحكّام والأنظمة. فنحنُ في سوريا على الأقلّ، لم ننسَ أسماء مطربي «الخط العسكري» إلى اليوم. هؤلاء الذين أحيوا الهوارة والدلعونا اللبنانية في مطاعم وملاهي القطر «الشقيق». وربما كان بعض السياسيّين اللبنانيين الذين يقفون ضدّ سوريا اليوم، هم من كان يجلس أمام «البيست» يصفقون طرباً. وتالياً لا يحقّ لهم أن يمنحوا نصائحم لفنانة من مقام فيروز، بألّا تغنّي في دمشق. (في المناسبة، فإنّ دمشق ليست تلّ أبيب).
مشكلة هذا «الحوار المفتوح» أنّه قفز باكراً عن المانشيت الأساسي ليدخل في تفاصيل جانبية تتعلق بالأغنية الوطنية والأغنية الملتزمة. وبالكاد أخذ فنانون مثل مرسيل خليفة وزياد الرحباني ومحمد منير والشيخ إمام، هؤلاء الذين يقفون في الضفة الأخرى، حصّتهم في السجال. لطيفة أكدت أوّلاً على أهميّة فيروز واعتبرتها قمة تتفوق على القمة العربية في تأثيرها. وأشارت إلى أهمية دور عبد الحليم في الأغنية الوطنية. وهي بذلك ناقضت طروحاتها حول حرّية الفنان وعدم خضوعه للسياسي، ذلك أنّ عبد الحليم على أهمية أغانيه الوطنية، لم يصعد إلى الواجهة إلا بموافقة السياسي. فهو كان مطرب الثورة الناصرية وتحت هذه اللافتة، أقصى عشرات الفنانين جانباً، أي بسطوة السلطة. وكذلك الحال بالنسبة إلى أم كلثوم. من جهته، حاول سميح شقير إعادة الاعتبار إلى الأغنية الملتزمة، وبدا هذا المصطلح غريباً اليوم، بعدما فقد بريقه مع أفول الأغنية السياسية تحت ما بقي من ثياب مغنّيات اليوم.
«نحتاج إلى التمرّد على الوضع الراهن، ورفع سقف الحرّيات». هذا ما طالب به شقير، وأكد على ضرورة عدم التورط بالاستقطاب السياسي الراهن، لأنّ الشعوب لها موقف آخر. ولعلّ الأغنية التي أداها في الحلقة تصبّ في هذا الاتجاه عن طريق إيقاظ الوجدان الشعبي وأهمية التاريخ والجغرافيا في تعزيز المحبة والجمال. يقول مطلع الأغنية: «قصتنا زيتونة وأرزة تخاوو، وجبل الشيخ وصنين هوهن جبال الصوان». لكن هل تكفي أغنية عن بيروت أو دمشق أو بغداد كي تستعيد الأغنية العربية أمجادها وسط «بلاليع» الغناء العربي؟
نعم نفتقد إلى الأغنية الملتزمة. ولكن هل هناك من يستمع إليها اليوم بالحماسة نفسها كتلك التي كانت في سبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم؟ ثم أليس محزناً أن يختتم هذا الموجة من الأغاني مغنّي أعراس عابر مثل شعبان عبد الرحيم لمجرد أن غنّى «أنا بكره إسرائيل»؟
وأخيراً، إذا كان يحيى الجابري متفائلاً بأن أوبريت «مو عراقي اللي يرضى تقسيم عراقه» بمشاركة عشرات الفنانين العراقيين التي استمعنا إلى مقطع منها خلال البرنامج، سيؤثر بالسياسيين حقاً ويمنع مخططات تقسيم العراق ويطيح الاحتلال، فماذا نفعل بأغنية البرتقالة «التي هزت أركان الملاهي والفضائيات العربية ردحاً من الزمن؟ وقبل ذلك ما مصير الفنانين العرب أصحاب «كوبونات النفط» في عهد صدام حسين في مسار القضية، وفي معنى استقلال الفن عن السياسة؟