بيار أبي صعب
كان جواد الأسدي يعدّ العدّة للعودة إلى بغداد. حزم حقائبه مرّة أخيرة بعد ثلاثين عاماً من المنفى، التقيناه خلالها في الجزائر أو الشارقة، في عمّان أو القاهرة، في تونس أو دمشق ـــــ مربط خيله منذ «العائلة طوط» و«خيوط من فضّة»ـــــ أقرب نقطة ممكنة من المنزل الأوّل... لقد هام هذا المسرحي العراقي، على وجهه طويلاً، حمل معه هاملت وأوفيليا، شكسبير تارة وتشيكوف طوراً... من دون أن ننسى جان جينيه وأوغست سترنيدبرغ و... سعد الله ونّوس.
أطياف أساتذته الأُوَل في بغداد، إبراهيم جلال والآخرين، أخذت تُمحى مع الوقت... وكان يمدّ وراءه خيط أريان، من دون أن يساوره شك بأنّه سيطيل الإقامة على الضفّة الأخرى. ذهب فعلاً إلى بغداد بعد سقوط النظام الذي شرّده واستبدّ بشعبه. اهتدى إلى المكان الذي كان سيصبح مسرحه وملاذه الأخير. أخبرنا حينذاك أنّه سيخلع عليه اسم بابل. ثم رقص رقصتين أو ثلاث في جحيم المدينة الفظيع، وعاد من حيث أتى.
الموعد مع بغداد... تأجّل هذه المرّة أيضاً! لم يبق سوى بيروت، مدينة جريحة مثل بغداد، ملعونة مثلها على الأرجح، لكن بأشكال أخرى. حطّ فيها رحاله، بحثاً عن تربة خصبة للإبداع، وفضاء يحتضن صراخه. «سينما مارينيان» القديمة قرب شارع الحمرا، كانت تسكنها الأشباح. فجمع تلك الأشباح كما يجمع ممثليه قبل العرض، واتفقوا على أن يحمل المكان اسم «بابل».
«مسرح بابل» البديل يفتتح هذا المساء، ببرنامج سهرات رمضانيّة مع العود والشعر والطرب الأصيل. لم يبق لنا سوى أن ننتظر مسرحيّة جواد الجديدة التي قال مرّة إنّها ستكون رواية علويّة صبح «مريم الحكايا».