أسئلة سريعة أودّ أن أطرحها على الشاعر أدونيس بعد قراءة ردّه على سطور قليلة من افتتاحية العدد الأخير من «الآداب» (راجع مقالته الأسبوعية في جريدة «الحياة» السعوديّة، 7/6/2007). علماً أنّ مجلة «الآداب» هي، كالعادة، مفتوحة لردّ أدونيس ولكلّ الردود والمناقشات المحتملة الأخرى.1 ــــــ برّرتَ يا دكتور تخصيصَك كتاباً عن الإمام ابن عبد الوهّاب بأنّ الوهّابية «تمارس تأثيراً ضخماً على عقول الأجيال الإسلامية الطالعة، بل إنّها الأكثر تأثيراً على المستوى الديني في العالم الإسلامي اليوم». فمِنْ أينَ استقيت معلوماتك يا عزيزي؟ وأين تجد ذلك التأثيرَ «الضخمَ» في العالم الإسلامي اليوم؟ صحيح أنّ للوهّابية أتباعاً في السعودية وقطر والكويت وعُمان والإمارات... والضنيّة، لكنّ أعدادهم ليست كبيرةً ولا في تزايد! كما أنّ السعودية الرسمية اليوم هي نفسُها على فراقٍ متصاعدٍ مع الإيديولوجيا الوهّابية.
2 ــــــ تنتقد المثقفين التكفيريين، لكنْ مَنْ كَفّّرك يا أدونيس في افتتاحيتي الأخيرة أو في أيّ مقال في مجلة «الآداب»؟ أرى أنك أنتَ الذي تَتّهم وتَسْخر من منتقديك، ثم تقذف في وجوههم فزّاعةَ التكفير! وهكذا تبدو مضطهَداً وملاحَقاً (بفتح الهاء والحاء) من قِبل المتخلِّفين على أنواعهم، أعضاءِ «القبائل» كما تسمِّيهم، سلفيين وحداثيين. فهل نَأْمل يوماً أن تُلقي من يدك هذا السلاحَ الاستشراقي، التعميمي والتبسيطي، الذي لا يفيد سوى الباحثين عن سببٍ إضافي لرمي كلِّ مصائب العالم على العرب والمسلمين و«بنيتِهم العقليةِ التكفيرية»؟
3 ــــــ لماذا لم تُجِبْ إلى هذه اللحظة عن الأسئلة التي طرحها عليك في «الآداب»، قبل 12 عاماً، منتقداك الدكتور صبري حافظ والاستاذ صبحي حديدي (الذي تخاله، من دون أن تسميه، صديقي مع أنّني لم أره ولم أتحدَّثْ إليه يوماً)؟ إنْ كنتَ قد نسيتَها فسأختصرُها لك هنا: كيف تُدْرج، يا عزيزي، الإمامَ بن عبد الوهّاب ضمن «فكر النهضة» وهو الذي حَرّم أنواعاً من الموسيقى، وسَوّغ الحجاب، وأفتى بما لا يحصى من الممارسات الرجعية... إلاّ إذا كانت الرجعيةُ مرادفةً للنهضة؟ يقول الدكتور أحمد دلاّل (من جامعة جورجتاون) في دراسة بديعة بالإنكليزية بعنوان «أصول وأهداف الفكر الإحيائي الإسلامي 1750 ــــــ 1850»، إنّ بن عبد الوهّاب «لم يكن مهتمّاً على الإطلاق بأية تسوية أو توافق ثقافيين»، وسعى إلى «تصنيف الناس على أساس عقيدتهم إلى مؤمنين وكافرين»، وبرّر خضوعَ الناس لظلم الحاكم وأذاه «إنْ لم يقتنعْ بالنصح»... وكان «يحتقر الفكرَ الذي يخالف مواقفَه». فأين انتقدتَ ذلك في مقدمة مختاراتك (وهي مقدمة قرأتُها حرفاً حرفاًً ونشرتُها في مجلة «الآداب» عام 1995 ليَحْكم القارئُ بنفسه موضوعيّاً)؟ وأين انتقدتَ ذلك في ردّك عليّ في «الحياة»، بل وفي ردودك على نقد «أصدقائي» لك، المنشور عامَ 1995 في «الآداب»؟ علماً أنّ المجالَ الأبرزَ لانتقادك الوهّابيةَ كان ينبغي أن يكونَ في تقديم تلك المختارات، وهو ما لم تفعله؟
4 ــــــ أضيف من عندي سؤالاً آخر: لماذا أحجمتَ عن ذِكْر مَنْ يدعم السلفيةَ الحقيقية، أي الوهّابيةَ، وعلى مَنْ يموِّلُها ويسلِّحُها ويَفْرضُها ايديولوجيا رسميةً، فيما تصبّ جامَ غضبك على السلفية المجازية، أي «التكفيرية» اليسارية والقومية؟
وختاماً، يا دكتور أدونيس، فإنّ ردّك نفسَه لا يقدِّم نموذجاً يُحتذى في تخطّي «الفكر السلفي» و«البنية العقلية التكفيرية». فردُّكَ ساوى بين كلّ القوميين واليساريين والسلفيين والحداثيين (باستثنائك طبعاً)... وبعباراتٍ تفتقر إلى الموضوعية التي تدعونا إلى التحلّي بها (ولا سيما اتهامُك منتقديك بممارسة السحر والتكفير). بل إنّك تتجاهل مجردَ ذكر أسماء منتقديك السابقين («أصدقائي») إمعاناً في التعالي. وإذا كنتَ تَسْخر من «نضال» مجلة الآداب «الفكري العظيم»، ومن «نضال أصدقائها» (المزدوجات كلُّها لك)، فكيف يكون النضالُ الفكري العظيم (من دون مزدوجات) «غيرُ الاستشراقي طبعاً» الذي سيحرِّرنا، كما تقول، من «قبائلنا» و«سِحْرنا» و«عقليتنا السلفية»؟
طوبى لي ولأصدقائي ومجلّتي، تقول ساخراً يا أدونيس؟ بل طوبى لنضال برنارد لويس، ورافائيل باتاي، وإخوانهم وأخواتهم من الاستشراقيين الآخرين الذين يقدِّمون للاستعمار البوشي الديموقراطي الجديد، عبر أطروحاتهم الجوهرانية الشمولية السقيمة عن «العقل العربي» و«الذهنية العربية» و«الفكر القبلي العربي» و«السلفية العربية»... وكلّها ليست سوى مبرراتٍ إضافيةً لاستباحة الوطن العربي.
سماح إدريس (بيروت)