خليل صويلح
لا أحد يعلم إلى أين تسير عجلة الدراما السورية. فالأمر منوط بأمزجة شركات الإنتاج، في الدرجة الأولى، وهي في الغالب مموّلة خليجياً. وفي ظل الارتجال وغياب المعايير والتقاليد الصارمة، لم يعد يستغرب المشاهد أن تهطل عليه فجأة “زخّة” من الأمطار التاريخية، وإذا به “مبلّلاً” بعشرات الأعمال التي تستعيد الأمجاد الغابرة، من حطين إلى الأندلس. تدكّه بغتة سنابك الخيل وصليل السيوف والأزياء الغرائبية. فما يرتديه “صلاح الدين الأيوبي” في النسخة الأولى، يختلف تماماً عما يرتديه في نسخة أخرى منافسة. بحسب رغبة مصمم (مصممة) الأزياء، وما يتوافر في “سوق الحميدية” من أقمشة وسيوف وعمائم. أما عبارات من نوع “ثكلتك أمك”، و“ويحك”، و“أغرب عن وجهي”، فهي بلاغة جاهزة ومعلّبة في المعاجم. وما إن تشرق الشمس، حتى تتكشف الصحراء عن شخصيات بالجملة من الزير سالم إلى المتنبي وخالد بن الوليد وغيرهم. آخر تقليعة دارجة هذه الأيام في شوارع الدراما السورية، هي مسلسلات “الحارة الشامية”. وبعدما لاقى مسلسل “أيام شامية” نجاحاً لافتاً، وتلاه “ليالي الصالحية” بنجاح أقل، وصلت إلى الأسواق هذا الموسم طبعة جديدة تحت عنوان “باب الحارة”. تنهض هذه المسلسلات على حكاية بسيطة، مشبعة بالحنين إلى زمن الحارة، قبل قرن من الآن، برؤية فولكلورية صرفة، ومعقّمة من أي هواء فاسد يتسرّب إلى البيوت وأسرارها. القيم النبيلة والتكافل الاجتماعي هما جوهر هذه الأعمال. كأن “الحارة” معزولة عمّا يدور وراء بابها مباشرة. هكذا تظهر شخصية “القبضاي” بكل إكسسواراتها، وبأسماء رنّانة من نوع “أبو النار”، و“أبو دراع”، و“المخرز”، في مبارزات كرتونية، أشبه بما يجري في حكايات الأطفال. الممثل هنا لا يبذل انفعالات زائدة، فالدور مرسوم بإيقاع واحد، يمتد إلى آخر العمل، وحلّ اللغز. هذا اللغز الذي اكتشف المشاهد سرّه منذ الحلقات الأولى، وما عليه إلا أن يصبر. فالصبر مفتاح الفرج، والمفتاح في حوزة “زعيم الحارة” و“مجلس العضوات”. سوف يعلن زواج أحدهم، وهذا ببساطة يعني نصف ساعة متواصلة من وقائع العرس الشامي (حريمي ورجالي)، وعراضة تتخلّلها مبارزة في السيوف. وما إن تنتهي العراضة حتى يفاجأ المشاهد بمجلس عزاء. وبين هذا الحدث وذاك، سوف يدخل إلى المطبخ الشامي العريق، ليتذوق “الكبة الشامية” على أصولها. وبعدها سيكون في إمكانه أن يعرّج على دكان الحلاق لاستشارة طبية، وعندما لا يجد الممثل سليم كلاس في الدكان (أدى الشخصية في “ليالي الصالحية”)، لانشغاله هذه المرة في إدارة محل للنحاسيات (دوره في “باب الحارة”)، سوف يعوّض غيابه أبو عصام (عباس النوري) الذي هجر تجارة الأغنام (الدور الذي أدّاه في “ليالي الصالحية”) وتعلّم صنعة الحلاقة. وبناء على فكرة عبقرية من مجلس العضوات، أعلن المخرج بسام الملا عن توسيع “باب الحارة”، من ثلاثين حلقة إلى ستين، إسوة بالمسلسلات المكسيكية، ما دام الديكور هو نفسه، وبالطبع فإن الكلفة الانتاجية سوف تكون أقل.
وحين اعترض “الادعشري” (بسام كوسا) على الأمر، قرر زعيم الحارة قتله بذريعة ما في نهاية الحلقة الثلاثين، ونفيه من “حارة الضبع”، وإكمال المشوار المظفّر حتى آخر قطرة من الحلقة الستين، بتوابل شامية أخرى!

التاسعة مساءً على MBC