بيار أبي صعب

مارسيل خليفة في كل مكان. إذا أضعته في الدار البيضاء حيث أحيا قبل أيام حفلة يعود ريعها إلى ضحايا العدوان الإسرائيلي على لبنان، فموعدك معه قريباً في ميلانو حيث يعزف، أول أيام تشرين الثاني (نوفمبر) مع الفرقة الفيلهامورنية الإيطالية. وإذا أفلت منك خلال الحفلات التي أقامها منذ العدوان في النمسا وألمانيا والسويد والجزائر، فتعالَ لملاقاته هذا المساء على شاشة NTV من بيروت. كنا نتوقع أن نلتقي مارسيل في كل مكان إلا عند نيشان. صاحب ”أحمد العربي” نجم السهرة في “أكيد أكيد مايسترو”؟
البرنامج الشهير الذي لفت الأنظار بتنوّع ضيوفه خلال الموسم الرمضاني (من غازي العريضي إلى... هيفا ونانسي)، كاد بعضهم يطوّبه “أُمّال... أُمّال مايسترو” بعد أن عبره أحمد فؤاد نجم بجلابيته البيضاء، شاتماً العالم أجمع، مجارياً ـــ بملعنته الأسطورية ـــ المايسترو في لعبته. بدا نيشان تلميذاً مجتهداً، يسمّع الأمثولة التي حفظها على طريقة «كل ما تعرفه عن...». كان يسرد حياة “الفاجومي” ومعاركه ومواقفه، يسْمَعه نجم ويجيب بصورة آلية، مطرقاً في نصف انحناءته المعتادة: “ آ... أُمّال، أُمّال”.
مارسيل خليفة في ضيافة نيشان إذاً، مباشرة بعد إليسا وقبل ميشال حايك مسك ختام الموسم غداً... الفنان الملتزم بين المغنية والعرّاف. إنه التنوع، إنها التعددية. مشكلة هذا البرنامج خلال رمضان لم تكن نيشان نفسه، بإطلالته المحببة، وشخصيته القريبة من القلب. المشكلة كانت تلك الخلطة العجيبة من الضيوف التي لا يستوعبها المزاج العام، ولا تتسع لها ثقافة تعاني من تفاوت هائل ـــ ضمن المجتمع الواحد، بل ضمن الشريحة الاجتماعية الواحدة ـــ في الاهتمامات ومستويات الوعي ودرجات الذوق. هكذا كان على المايسترو أن يغطس في عوالم وقوالب ولغات لا يتقنها تماماً، ولا تعنيه بالضرورة... أن يواجه قضايا تتطلب انخراطاً فيها، وانشغالاً حقيقياً بها خارج الحلقة، أي قبلها بكثير وبعدها أيضاً.
نيشان الذي يحاور شيرين، هو حكماً غير نيشان الذي يحاور نوال السعداوي، مع أن مبدأ البرنامج واحد، وفقراته متكررة على أساس اللعبة نفسها التي تدخل المشاهدين الى عالم كل ضيف وكواليسه. في الحالة الأولى بدا محاوراً ناجحاً، يحيط بعالم ضيفته ومشاغلها وقضاياها، وكذلك الأمر بالنسبة الى راغب علامة وعاصي الحلاني وسهير رمزي... أما محاورة السعداوي، فلها أصول مختلفة وخلفيات أخرى. ومثلها الفاجومي الذي سمعنا قصصه في عدد لا يحصى من البرامج والحلقات. صرنا مع نيشان الذي يستعرض كل ما نعرف ـــ وكل ما تعلمه هو لتوّه ـــ كأننا أمام يرنامج بعنوان «نوال السعداوي للمبتدئين»، أو «الفاجومي للمبتدئين»! وانطلاقاً من هذه المفارقة، نراهن على أن بعض المشاهدين يتحرق شوقاً لمتابعة حلقة الليلة مع مارسيل خليفة الذي تصدر له أسطوانة بعنوان «تقاسيم» بعد أيام في ألمانيا. ترى كيف سيتصرف الموسيقي المعروف والمغني السياسي الملتزم؟ نتخيله يستمع، ونحن معه، الى فصول من حياته؟... البدايات في عمشيت، الكونسرفاتوار، التجديد، العود، المناضل الشيوعي الذي أحب فلسطين وحلم بتغيير العالم. الهروب من الشرقية عشية الحرب الأهلية، «وعود من العاصفة» أول أسطوانة من باريس. محمود درويش طبعاً. النجاح الواسع لحفلاته العربية. تراجع صورة المغني الملتزم في التسعينيّات، لصالح المؤلف الموسيقي بعد «جدل» وما تلاها. وفي وقت ما، لا بد من مهاجمة الفضائيات التي تشجع على الرداءة! ترى ما هي الوصايا السرية التي سيكتبها، ليخبئها نيشان في الخزنة؟
مارسيل خليفة عند نيشان: هل يمكن أن نعتبره تكريساً؟ للموسيقي أو للمايسترو؟