التشكيلي السوري ينطلق من عنوان عريض «النساء والحرب»، ليفتّته ويبحث في بنيته عن الإنساني واليومي بأسلوب غرافيكي قوي. يحفر في اللوحة كما هي القصص محفورة في الذاكرة. نتوقف عند نساء موشّحات بالسواد، في مأمن لكنهن عاجزات، وجوههن كامدة يخفيها أحياناً وشاح شفاف، كأنها تغور على مهل في بركة داكنة من برك الغابات. نتذكر قصيدة لإيتل عدنان: «أوراق الزيزفون ترتعش مثل/ فتاة مضروبة، وأغصانها تجفل/ مثل حصان/ هَبُوني -في ظلال الليل- هذه الاخضرارات/ الحنونة المتنوعة فأعدكم بسجّادة/ أندلسية لا مثيل لها».
ملمح خاص يضبط اللعبة:
إنّها الحرب
خالد تكريتي لا يعدنا بشيء. علينا أن نتلمّس الإيماءة السريّة، النغمة، النسيج الواهي الذي يربط بين الماضي والحاضر. مجموعته أشبه بعلامات تحدد الطريق، ولا بدّ من مجابهة البقجة التقليدية التي صارت أيقونة الهجرات، وقد اختار الفنان القماش الحموي التقليدي المطبوع باليد لرسمها. مثل فيلاسكيز، بتحرقه لإظهار الحياة داخل فنه، يلمّح إلى الموت خارجه.
فيلاسكيز كان فرحاً بانتصارات هرميس، فمن أعظم لوحاته «هرميس وآرغوس». كان آرغوس سماء الليل وهو الذي يحرس بقرة القمر «إيو» بعيونه الألف كلها. أما هرميس، فكان إله التجار واللصوص والمسافرين والعلماء ومعدنه الزئبق. كان يصنع المرايا والعقاقير وذهب الكيمياء، فراح هرميس يعزف ألحاناً لآرغوس إلى أن أغمض كل عين من عيونه الألف، وعندها قتله وأطلق سراح إيو.
عينا الرسّام ظليلتان، ثقيلتان، تبحثان... أين ذهبت تلك التفاصيل المرحة في لوحات مثل «أوتو ستوب» و«النزهة» و«لصوص النجوم»؟ نرغب في الابتعاد عن الأكريليك والحبر الصيني الذي يغشى كل شيء، لكن خالد تكريتي في حداد، يريد أن يدعونا إلى رقصة في الظلام ويسألنا: كيف حدث ذلك؟ فنجيبه: كيف حدث ذلك؟
* «النساء والحرب» لخالد تكريتي: حتى 18 شباط (فبراير) ــــ «غاليري كلود ليمان»، باريس www.claude-lemand.com