يبدو أن مواجهة «التنمّر» في المجتمع المصري كانت موضةً وولّى زمنها الآن! إذ لم يتوقف كثيرون عند استخدام النخبة التي تمثّل «الأهلي» و«الزمالك» للشخصيات السلبية في مسلسل «جعفر العمدة» من أجل إهانة المنافس والحطّ من شأنه. بالتالي، لم يجد الجمهور «الأهلاوي» غضاضةً في تكرار الفعل نفسه، لكن مع ناد مغربي شهير هو «الوداد البيضاوي» نسبة إلى مدينة الدار البيضاء. إذ تم استبداله عبر «ميمز» منصات التواصل الاجتماعي، بشخصية نسائية سلبية تحمل اسم «وداد» في المسلسل الذي أثار جدلاً واسعاً في مصر والوطن العربي وتصدّر نسب المشاهدة بحسب معظم الإحصاءات المعلنة.
استعانت الحملة بشخصيات نسائية سلبية ظهرت في مسلسل «جعفر العمدة»

لعلّ «استلهام» المسلسل في حملة التنمرّ هذه، يعود إلى حجم الشخصيات غير الإيجابية التي احتواها العمل، والدليل هو استخدام خمس شخصيات منها في التراشقات المتكررة بين جماهير الكرة مصرياً وعربياً. كانت البداية مع المهندس عدلي القيعي، إحدى أبرز الشخصيات العاملة في النادي الأهلي خلال العقود الثلاثة الماضية. أطلّ القيعي الشهر الماضي في برنامج تلفزيوني تعرضه الشاشة الرسمية للنادي الأحمر، قائلاً إنّ نادي «الزمالك» يذكره بشخصية «سيد العمدة» (جسده أحمد فهيم)، وهو شخصية اتّكالية يغار من شقيقه القوي الثري (جسده محمد رمضان) ويبرر لنفسه كل الأخطاء التي يقع فيها. في تلك الفترة، كانت أزمة انسحاب الزمالك من مباراة «السوبر» المصري قد تصاعدت، اعتراضاً على غياب العدالة الإدارية بين الفريقين الكبيرين. واضطر اتحاد الكرة للاستعانة بناد ثالث هو «بيراميدز» لإنقاذ المباراة. ورغم فوز الأهلي في المباراة، إلا أنّ القيعي لم يكتف بالاحتفال بالنصر، بل وجه هذا التشبيه القاسي للزمالك، ليخرج الإعلامي ونجم النادي السابق خالد الغندور ليقول بأنّ «الأهلي» أقرب إلى شخصية دلال (جسّدتها إيمان العاصي)، وهي الزوجة الثانية لجعفر العمدة التي ارتكبت جرائم عدة على مدار أحداث العمل قبل أن تدخل السجن في النهاية. ثم علت أصوات «زملكاوية» تقول إنّ جعفر العمدة نفسه كان شخصية سلبية يمارس عمليات مالية غير نزيهة، وهو ما كان يجب أن ينتبه إليه القيعي قبل أن يستعين بالمسلسل المثير للجدل في هذه المناظرة.
هدأت الأمور بعد ذلك لفترة، قبل أن تشتعل مجدداً على إثر مباراة الإياب في الدار البيضاء بين «الأهلي» و«الوداد البيضاوي» على كأس دوري أبطال أفريقيا. حقّق «الوداد» نتيجة مطمئنة في القاهرة أولاً، لكنه لم يتمسك بالفرصة مساء الأحد على «ملعب محمد الخامس» في معقله في الدار البيضاء. انتزع «الأهلي» البطولة فتنفّس بعض جمهوره المتنمّر الصعداء، وعاد إلى المسلسل نفسه، مستعيناً بشخصية «وداد» زوجة سيد العمدة الخائنة. استغلّ تشابه الأسماء وقهر الأم «صفصف الملكة» (جسدتها هالة صدقي) لزوجة ابنها، لتمثّل وداد (جسدتها جوري بكر) النادي المغربي.
اللافت أن النادي المغربي الذي تأسس عام 1937 حمل هذا الاسم في الأساس تيمّناً بفيلم «وداد» لكوكب الشرق أم كلثوم. يومها، تأخر أحد المؤسسين عن اجتماع اختيار الاسم بسبب ذهابه لمشاهدة الفيلم. وعندما ذكر ذلك أمام زملائه، انطلق صوت «زغرودة» من مكان مجاور، فتفاءل الحاضرون وقرروا تسمية النادي «الوداد» ثم أضيف «البيضاوي» إلى الاسم لاحقاً. مفارقة تعبّر ربما عن البون الشائع بين الحالتين، سواء على المستوى الأخلاقي، أو على المستوى الفني، فلا حاجة للمقارنة إذن بين ما تركته أم كلثوم للجمهور العربي والتأثير الذي حقّقه «جعفر العمدة» ومن معه.