عنوان طريف يحمل لعباً على الكلام ابتدعته ديالا خضري (مواليد بيروت ـــ 1979) لأعمالها المعلّقة على جدران Art on 56th حتى الأول من تموز (يوليو). العنوان هو Le Corbeau et Le Regard (الغراب والنظرة) الذي يحاكي بظرف إحدى حكايات لافونتين المشهورة Le Corbeau et le Renard (الغراب والثعلب). أمّا ترجمته إلى العربية، فتفقده ميزة اللعب على الكلام الذي نشير إليه.تجمع لوحات خضري اتجاهات جمالية وزخرفية متنوّعة، فهي لقطات لمبانٍ من بيروت وهندستها المعمارية الفريدة التي تمزج التراثيّ بالحديث، والجماليّ بالوظيفيّ. ورغم أنّ لوحاتها خالية من أي وجود بشريّ، إلا أنّها تستدعي أماكن مأهولة، حاضراً وماضياً، لتدلّ على حياة عابرة، مقلقة، تنطوي مع ذلك على تحيّة حبّ لبيروت الأصيلة. تحوّل حكاية الحكمة والتواضع لدى لافونتين، إلى سرد بصريّ يشدّد على ميزتين معماريتين: الشرفة الناتئة (corbel) التي تشهد على العمارة اللبنانية التقليدية، و«فتحة التفتيش» التي تجسّد فكرة الأمل وإمكان الهرب.
تسلّط الفنانة الضوء على أشكال حضريّة، وعلى تراث معرّض للزوال، وعلى جمال يمكن مصادفته في أكثر الأماكن غير المتوقّعة. تصف مدينة في حالة تحوّل معماري، عبر مقارنة الإرث المتداعي بالتطوّر الحديث. تكوّن لوحتها بتلقائيّة لونيّة مشغولة بالأكريليك على القماش، أو على الخشب المضغوط، لتخلص إلى أشكال غير تقليدية، وخصوصاً تلك الدائريّة التي تحاكي النوافذ التراثية. ومعظم اللوحات ذات مقاس كبير، زاخرة بالتوليفات الهندسية والزخارف المُستقاة من الفنّ الإسلاميّ وهندساته المتكررة. تستخدم التقنيات الحديثة في اللصق والإضافة والتركيب، فضلاً عن الملوانة الغريبة والجريئة والبقع التي تبلغ أحياناً حدّ «الوقاحة» التلوينيّة. بيد أنّ خلوّ اللوحات من «التعجيق»، يخفّف من مفردات اللون بين البرتقالي والناريّ والأخضر الفاقع ومنمنمات الأزهار.
ثمة واقعية شعريّة تستعيد بيروت من ذاكرة طفولة. هي بيروت الغياب والاندثار، والملمح العام كأنّها فوتوغرافيّ يفكك المشهد لإعادة تكوينه وإبراز روح المكان المصوّر. ظلال مؤطّرة وتطويع للمخيّلة من ذاكرة تراثية مشظّاة تستريح هنا من آلامها حتى يبرأ الجرح. ثمة جانب أرشيفي لتفاصيل هندسية وبساطة هي في طور التلاشي. بُعْدٌ عاطفيّ لتفاصيل تغذّيها الصور المستعادة والاطلاعات والمعاينات الميدانية. لكننا نظلّ نتساءل أمام اللوحات: أين هم سكان هذه المباني المهجورة؟
معظم اللوحات زاخرة بالتوليفات الهندسية والزخارف المُستقاة من الفنّ الإسلاميّ وهندساته المتكررة


ليست المعالجة التشكيليّة الأولى لهذا الموضوع، أو هذه القضية، غير أنّها معالجة مختلفة، ذاتيّة، وذات رؤية خاصة فريدة. أمّا البناء الحديث، فيبدو خارجاً لتوّه من منظور رقميّ (ديجيتال) مقابل الحضور الزمنيّ الطاغي في القديم التراثي الذي لا أحد يعلم متى يتهاوى سقفه القرميديّ، أو كم هي حظوظه من الترميم. عمارة يسكنها الزمن، وأخرى حديثة هي بلا تاريخ وبلا زمن. رومنطيقية آفلة، وبرودة لا تولّد أيّ شعور. روح العمارة التراثية تكمن في التفاصيل، في النوافذ المقوّسة، والدرجات التي تآكلت حوافّها، والبلاط السيراميك المزخرف…
في عدد من الأعمال، يتركّز النظر على نقطة أو دائرة تتوسّط اللوحة، حيث يتكثّف الاهتمام، في دعوة ملحّة لرؤية ما ارتكبته أيدي العابثين ضمن الإطار الأشمل.

* Le Corbeau et Le Regard: حتى الأول من تموز (يوليو) ــ غاليري Art on 56th (الجميزة) ــــ للاستعلام: 01/570331