بعد نحو 28 عاماً، يلتقي عودا مارسيل خليفة وشربل روحانا في «جدل» جديد ضمن ثلاث أمسيات تنطلق الليلة في باحة «معهد فيلوكاليا» في عينطورة، يعود ريعها لدعم أنشطة «دار العود» في المعهد. في اتصالنا معه للحديث عن الأمسيات المرتقبة، يقرّ شربل روحانا أن الفترة الماضية كانت صعبة جداً، تغيّرت فيها أمور كثيرة، كبرت الهموم، ولكن مع ذلك «علينا أن نكمل بما نعرفه». المرة الأخيرة التي اجتمع فيها روحانا بمارسيل خليفة، الذي تربطه به علاقة قربى أيضاً، على المسرح، كانت في تسعينيات القرن المنصرم، عندما قدّما «جدل»: عمل كُتب لعودَين وبايس وإيقاع (رِق)، تبلغ مدّته 78 دقيقة، بأربع حركات. هو عمل متكامل لمحبي الموسيقى الآلية، بتنوّع تأثيراته، وبراعة مؤديه وغنى الأحاسيس التي يثيرها في الأذن والروح. في الأصل، رغب خليفة الذي ألّف العمل، في أن تعزفه أوركسترا كاملة، ولكنه في النهاية كتبه لرباعي. هذه المرة، يلتقي الفنانان منفردين على آلتيهما. «هذا هو أبرز ما تغيّر في طريقة تقديم العمل» يقول روحانا، مضيفاً: «الرباعي له نكهة وكذلك العودان وحدهما. ففي هذه الحالة، يذهب العازف بالفكرة حتى الأخير. هناك عودان يعزفان الفكرة من دون آلات أخرى. هناك إمكانات عدة، فقد يكون هذا الرباعي مع أوركسترا كبيرة وسيعطي أيضاً في هذه الحالة نكهة مغايرة. هو حوار وجدل في جوّ من المحبة، لأن الجدل قد يوصل إلى الخلاف أيضاً. هذا جدل حبّي لن يؤدي إلى خلاف مبدئياً».
كثيراً ما يُسأل روحانا لمَ «جدَل» بعد كل هذه السنوات؟ إجابته قد تكون مختلفة في كل مرة ولكنه يسأل بدوره: «لمَ نعم ولمَ لا أيضاً؟ أُجريت معي بعض المقابلات أخيراً وشرحت فيها أنني لا أحب التفريق بين موسيقى قديمة وجديدة. أتمنى ألا نتحدث عن هذا الموضوع. فالموسيقى هي ذاتها. يمكن تأدية عمل قديم بروح جديدة. العمل الذي نقدّمه هو نفسه، إذ إنه مكتوب ولم يتغيّر. ولكن نحن كموسيقيين تغيّرنا، والجمهور الذي يسمعنا تغيّر. لا أعني أنهم أشخاص مختلفون فقد يكون الشخص نفسه ولكنه يحمل معه 30 سنة. فمن الطبيعي أن نؤديه بنفس آخر، بطريقة أخرى، أبطأ، أسرع، أجمل، فيه قوة أكثر أو حنان أكثر... هذا هو جمال الموسيقى». حبّ الجمال هو تحديداً ما يجسّد فلسفة معهد «فيلوكاليا» الذي أسّسته الأخت مارانا سعد عام 2020 في «دير الزيارة» حيث تُقام الأمسيات. اقترحت لجنة المعهد الذي يضمّ قسماً مخصصاً لتعليم الموسيقى عموماً والعود خصوصاً فكرة تقديم «جدَل» من جديد. في الأصل، كان من المقرر أن تقام حفلتان فقط، ولكن نظراً إلى الحماسة التي أثارها الإعلان، أُضيفت أمسية ثالثة. من جهته، يقرّ روحانا: «كانت فكرة عفوية. طوال السنوات الماضية كنت أركّز على تعليم آلة العود وأتعاطى غالباً مع طلاب في هذه الآلة. وسُئلت مراراً متى سنقدّم «جدَل» من جديد؟ هناك لجنة في «فيلوكاليا» اقترحت تقديم «جدل» في قسم دار العود، وأنا ضمنها». في العام الماضي، أجرينا مسابقة دولية في هذا القسم شارك فيها طلاب وأساتذة عود من لبنان والخارج وكانت جميلة جداً. نحاول أن نقدّم نوعية في هذه الظروف لنعطي حماسة للطلاب». في أيلول (سبتمبر) الماضي، كان روحانا أحد أعضاء لجنة التحكيم في هذه المسابقة التي شهدت توافد عازفين من الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان والمغرب والكويت ومصر وإيران وتركيا واليونان للتباري ضمن فئتين من الأعمار، وإظهار مهاراتهم على العود.
هناك عودان يعزفان الفكرة من دون آلات أخرى


ما الذي تغيّر في طريقة التفاعل بين روحانا وخليفة على المسرح بعد مرور كل هذا الوقت؟ يجيب روحانا بمزيج من الفكاهة والحماسة: «سنرى كيف سيكون التفاعل مع بعضنا على المسرح في الأسبوع القادم عندما نقدّم الأمسية. ولكن يمكنني القول إن التمارين جميلة. فيها الكثير من الهدوء والشعر الأبيض. فكرة أن نعود للقاء على العمل نفسه بعد 28 عاماً كانت جميلة بذاتها. ونحن نستمتع بها، ونستمتع بأن تكون لنا فرصة أن نعود لتقديم العمل نفسه. فهو أمر جميل لنا، وخصوصاً لأن ذلك لا يحدث غالباً وقلّما يُعطى المرء فرصة لكي يعود ويقدّم الشيء نفسه. كما أن اللقاء مع الناس يمنحنا أيضاً شعوراً جميلاً».
يتابع روحانا آلة العود وطلابها عن كثب منذ سنوات طويلة، وهو صاحب منهج جديد في تعليم الآلة. ويرى أن الإقبال عليها ما زال كبيراً بما أنّ العزف على العود إلزامي لطلاب الغناء العربي، ولذلك لها انتشار واسع. قبل أسبوعين، تخرّج طالب له من «جامعة الروح القدس»، حيث يدرّس منذ سنوات طويلة، وحاز شهادة في العزف على العود. أمر لا يحدث بكثرة، نظراً إلى صعوبة الوصول إلى هذه الدرجة من التمرّس بالآلة والحاجة إلى سنوات طويلة من التمارين والعمل قبل الوصول إلى المستوى المطلوب. يضيف روحانا في النهاية: «أتمنى أن يكون الجو طبيعياً في البلد. لا أستطيع أن أشرح بالتحديد ما الذي يعنيه ذلك في الواقع. لكن الحقيقة أنّ هناك ضياعاً وتعباً. ونحن نفعل كل ذلك لتشجيع الطلاب في هذه المرحلة».

* «جدل»: 20:30 مساء اليوم والغد والسبت ـــــ باحة معهد «فيلوكاليا» (عينطورة – كسروان) ــ للاستعلام: 70/927492