أحد هؤلاء هو علاء عبد الخالق الذي احتلّ مكانة بارزة في قلب جمهوره لم يكشفها إلا الإعلان عن وفاته، وإن غاب عن الأضواء لسنوات بسبب المرض وانحسار الاهتمام بجيله عموماً. عبد الخالق الذي لم يدخل خلافاً أو يثر جدلاً أو ينسب لنفسه لقباً طوال مشواره المهني، أفاد من «الصدق» الذي ميّز أداءه أغنية تلو أخرى، فشعر المحبّون دوماً بأنّه «صديق» يغنّي لهم ويعبّر عنهم بصوت خافت بلا ضجيج أو مبالغة.
الصديق الذي نعاه جمهوره فجر أمس الثلاثاء بعد انتشار خبر الرحيل، خرج من فرقة «الأصدقاء» التي أسّسها عمّار الشريعي في عام 1980، وضمّت إلى جانب عبد الخالق المطربتين منى عبد الغني وحنان. كانت تلك الفترة عامرة بالفرق الغنائية التي تقدّم موسيقى مغايرة لجيل موسيقي يبحث عن ذاته وخصوصيته بعد رحيل الثلاثة الكبار: فريد الأطرش، أم كلثوم وعبد الحليم حافظ. قدّمت الفرقة أغنيات ناجحة عدّة، أبرزها: «الحدود» و«الموضات»، وحظيت باهتمام جماهيري ونقدي كبير، وقال عنها الشريعي إنّه كان يتمنى أن يبدأ بعشرة مطربين ويغيّر في الفريق كل فترة لأنّه مدرك أنّ المطربين الصغار سيلقون انتشاراً بعيداً عن الغناء الجماعي، لكنّه لم يجد بديلاً للثلاثي. غادرت الفتاتان أوّلاً، لكن عبد الخالق استمر معه حتى النهاية. وفي هذه المناسبة، كشف الشريعي عن ملمح أساسي في شخصية المطرب الراحل، وهو الإخلاص للمشروع والخجل من خذلان المؤسس. خجل رافق علاء حتى وفاته، فكان وجوده في المحافل الكبرى هادئاً وغير لافت، فيما كان يفضّل دخول القلوب من دون إزعاج على حدّ وصف كثيرين.
أصدر ألبومه الأول «مرسال» عام 1985 بالتعاون مع حميد الشاعري
بعد «الأصدقاء»، دخل عبد الخالق في التجربة الأهم لكلّ أبناء جيله المتمثّلة في التعاون مع حميد الشاعري، فأصدر أوّل ألبوم مستقل له عام 1985 بعنوان «مرسال». شهد عقد التسعينيات نشاطاً مكثّفاً لخريج «معهد الموسيقى العربية» (تخصّص عزف ناي)، حيث قدّم ثمانية ألبومات متتالية، من بينها: «مكتوب»، «راجعلك»، «وياكي» و«طيارة ورق». وعلى خطٍّ موازٍ، اشتهر الراحل أيضاً بتقديم أفكار مميزة في فيديو كليباته، علماً أنّ جيهان نصر شاركته بطولة كليب شهير لأغنية «داري رموشك»، واستعان بلقطات من فيلم «بادي غارد» الشهير لكيفن كوستنر وويتني هيوستن في كليب أغنية «مكتوب».
مع بداية الألفية الجديدة، بدأ صوت علاء عبد الخالق بالخفوت، وتكرر غيابه لأسباب صحية، فيما كان ظهوره مرتبطاً بحفلات نوستالجيا تستعيد أغنيات التسعينيات. والأهم أنّ الظهور كان جماعياً، فارتباط هذا الجيل ببعضه لم يكن موقتاً بل دام حتى آخر صور علاء عبد الخالق قبل شهرين في زفاف ابنته، وسط أصدقاء المشوار الذين رثوه بكلمات مؤثّرة وحزينة بعد ترجّله الذي كشف حجم الأثر الذي تركه في قلوب محبّيه.