على خشبة مسرح «دوار الشمس»، ينطلق اليوم الموسم الصيفي لعروض «مسرح الدمى اللبناني». يتزامن الحدث مع العيد الثلاثين لانطلاق «مسرح الدمى اللبناني» الذي تأسّس عام 1993. رغم كلّ التحدّيات التي كانت ولا تزال موجودة، بقيت «الدمى» شاهدةً على تحولات لبنان، نقلتها، فتّتتها، وأعادت صياغة الواقع وبثّه على شكل أسئلة، تحرّك خيالات الأطفال، بعيداً عن الوعظ الأبوي والسلطوي.منذ عقود، لم يتوانَ «مسرح الدمى اللبناني» عن تقديم ما يشبه الـ «ربيرتوار» الذي هو حصيلة ثلاثة عقود من الزمن. تُضاف إليه مسرحيات جديدة، كلّما دعت الحاجة. يقول كريم دكروب، مؤسس «مسرح الدمى» وجمعية «خيال» إنّ «العمل على ريبرتوار مسرحي، هو سابقة من نوعها في لبنان. كان ذلك حلماً بالنسبة إليّ عندما تخصّصت في روسيا.

من عروض الفرقة



ويبدو أن هذا الحلم تحقق». كان لدى دكروب إصرار وتأكيد على اتخاذ منحى مغاير ومختلف عمّا كان سائداً في ذلك الوقت، أي الابتعاد كلياً عن الوعظ الأخلاقي والأبوي، والاندماج أكثر في عوالم الأطفال والعائلة، والبحث عما يريدونه ويحتاجونه. لم يكن «مسرح الدمى» أول من عمل في هذا المجال في لبنان، بل سبقته إلى ذلك، على سبيل المثال، «فرقة السنابل» التي خاضت تجارب مهمة في هذا المجال، إلى جانب بعض الفرق التي عملت إبّان الحرب الأهلية في لبنان. لكنّ هذه التجارب توقفت، لينطلق بعدها «مسرح الدمى اللبناني» ككيان ثقافي ذي توجّه ومقاربة مختلفين عن السائد في المنطقة العربية. «الأعمال المسرحية التي نخرجها لا تقدّم أجوبة، بل تطرح الأسئلة وتحثّ الأطفال وعائلاتهم على إعادة التفكير في الواقع الذي يعيشونه، والبحث عن مخارج للمشكلات السائدة».
بعد مرور ثلاثين عاماً، لا تزال الموضوعات التي يطرحها «مسرح الدمى اللبناني» هي هي. وعليه، تُعرض مسرحية «شو صار بكفار منخار» (3 آب/ أغسطس المقبل ــــ 6 مساءً ـــــ «دوار الشمس»)، بعدما قُدمت على مدار السنوات من دون توقف، في المواسم الصيفية، والخريفية، والربيعية. لا تزال أجيال متنوّعة تشاهد هذه المسرحية التي تحكي عن أزمة النفايات في لبنان، وآفات هذا البلد المتنوّعة، وعدم الاكتراث لأسس الحياة المشتركة. تحثّ المسرحية الجمهور على ضرورة مواجهة هذه المشكلات. ولعلّ مقومات نجاحها أنّها تطرح ما عاناه، ولا يزال يعانيه المجتمع اللبناني على مدار أجيال.
من المقرّر أن يُفتتح الموسم الصيفي لهذا العام، بمسرحية «شتي يا دني صيصان» (1996) التي تعرض اليوم على «مسرح دوار الشمس» مجسدةً بطريقة إبداعية، مشكلات حقوق الطفل في البلد، وباحثةً في مفاهيم الحماية والأمان داخل مجتمع تسيّجه المخاطر، ليواجهها «الصوص» من خلال إشراك الأطفال الحاضرين في فضاء العرض لحمايته. كذلك، من المقرر عرض مسرحية «فراس العطاس» (10 آب المقبل) التي تحكي قصة طفل يعاني من التنمر المدرسي، بفعل الأنظمة التعليمية التي تجبر الأطفال على الكتابة من دون أي إبداع، عن «السماء الزرقاء» و«فصل الربيع» مثلاً، لكنه يريد أن يسير بشكل مختلف عن هذا النظام، وهذا ما يحثه على الاكتشاف والاختراع على عكس زملائه. نرافق فراس في عوالمه وخيالاته وأحلامه الباطنية، إلى أن يجد ــــ وفق حبكة متقنة ـــــ حلولاً لمشكلة الطاقة والكهرباء في لبنان. بالإضافة إلى ذلك، تقدم المسرحيات التالية في شهر تموز (يوليو) عند السادسة مساءً، على مسرح «دوار الشمس» مثل «يلا ينام مرجان» (13 تموز)، و«كراكيب» (20 تموز) و «بيتك يا ستي» في 27 الحالي. أما في آب (أغسطس)، فتقدم كل من المسرحيات التالية: «يا قمر ضوي عالناس» (10 آب) و «ألف وردة ووردة» (24 آب) ويختتم الموسم مع «كله من الزيبق» في 31 آب.




بالنسبة إلى الجمهور المستهدف، لا يزال هناك اعتقاد سائد بأنّ مسرحيات الدمى، موجهة فقط للأطفال، إلاّ أنّ دكروب يشير إلى أنّ هذه العروض ليست موجهة فقط للأطفال، بل لأهاليهم أيضاً، وكل المهتمين بمشاهدة مسرح الدمى، الذي بات معروفاً بأنه مسرح العائلة، ترتاده جميع الأعمار في كل أنحاء العالم. على صعيد آخر، هناك عوامل عديدة تجعل تجربة «مسرح الدمى اللبناني» رائدةً في المنطقة العربية، أولها أنّها كيان مستقل وخاص، إضافة إلى أنّ الفنانين العاملين فيها، كالفنان المعروف أحمد قعبور، ووليد دكروب، والممثلين مثل كاتيا دكروب، ورشاد زعيتر، وفؤاد يمين، أدون خوري، وجاد حكواتي، وغيرهم... يتعاونون لتكون هذه التجربة رائدة ومُبدعة وخلّاقة، تعمل وفق استراتيجية صعبة «في بلد يعيش فوق رمال متحركة» على حد تعبير دكروب. لكن الخط العريض لاستراتيجية العمل في «مسرح الدمى اللبناني» هو الريبرتوار الذي يحقق الاستدامة المالية. فالمسرحيات يتواصل عرضها منذ عقود، ولا تزال تحشد جمهوراً وتلقى إقبالاً. «نحاول بناء تقاليد مسرحية في لبنان وهي مسؤولية الدولة عادةً. لكن في لبنان، يبدو واضحاً أنّ السلطات غير مهتمة بوضع السياسات الثقافية. ولو كانت مهتمة بوضعها، لما رأينا هذا الكم الهائل من المبادرات الإبداعية، الفردية والجماعية». يُضيف دكروب: «في بلد مماثل، لا نعلم ما الذي يمكن أن يحصل غداً، لكننا نكافح باللحم الحيّ ليبقى مسرح الدمى حاضراً، ومركزاً يستقطب الأطفال وأهاليهم، لمشاهدة مسرحيات لها هوية محددة، بعيدة عن الاستهلاك، والوعظ. أكثر ما نراهن عليه اليوم، هو نوعية المنتج الفني الذي نقدمه، والنوعية الإبداعية، والثقافية، والفنية للعمل.
مشروع ثقافي مستدام لا يعتمد على المساعدات الخارجية والمنح والدعم

أحياناً، تستغرق المسرحية، سنة ونصف السنة، ونخصص لها جزءاً مهماً من ميزانيتنا». انطلاقاً من ذلك، لا يغفل «مسرح الدمى اللبناني» التحديات الثقافية التي تواجه جميع العاملين في هذا الشأن في لبنان أهمها الأزمات السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والصحية، المتلاحقة. «كل ذلك يكبّلنا أكثر. نحاول الاستمرار باللحم الحي، فمن سبل الاستدامة في عملنا، هو الاعتماد على شباك التذاكر لتمويل العمل. تلعب الجولات الفنية خارج لبنان، دوراً في مواجهة هذه التحديات، وخصوصاً أنّ «مسرح الدمى اللبناني» هو من المؤسسات الثقافية، التي لا تعتمد على المساعدات الخارجية والمنح والدعم.
يبدو واضحاً بأنّ «مسرح الدمى اللبناني » وجمعية «خيال» ليسا حاضرين في الفضاء الإلكتروني كثيراً. يقتصر حضورهما على الإعلان عن العروض الجديدة والترويج لها. في عصر التواصل السريع، لا يزال «مسرح الدمى» يحتفظ بكلاسيكية التواصل مع الجمهور. لعلّ ذلك يدلّ على أنَّ جيل الآباء، باتوا يصحبون أبناءهم، إلى «مسرح الدمى اللبناني» ليكون ذلك بمثابة عرف مسرحي تتناقله الأجيال. لا يزال هذا الريبرتوار حيّاً، وحاضراً، وفاعلاً، ومحافظاً على أصالته، منذ انطلاقته قبل ثلاثين عاماً لغاية اليوم.

* عروض الصيف الخاصة بـ «مسرح الدمى اللبناني»: بدءاً من اليوم حتى 31 آب (أغسطس) ــــ الساعة السادسة مساءً ـــــــ «مسرح دوار الشمس» (الطيونة، بيروت) ـــــ للاستعلام: 71/997959