يحبّ المنتجون عادةً تكرار نجاحاتهم. هذا لا يعني أنّ التكرار سيحقّق النتيجة نفسها، فالتكرار في الدراما يقتل الأعمال أحياناً. يأتي فيلم «فضل ونعمة» (إخراج رامي إمام وتأليف أيمن وتّار) المصنّف بأنّه عمل كوميدي، تحت إطار التكرار هذا. يرث فعلياً واحداً من أفضل «السيتكوم» التلفزيونية خلال الأعوام الماضية: «موضوع عائلي» لناحية الممثلين، إذ نجد معظم نجوم الزمن الجميل فيه: ماجد الكدواني، سماء إبراهيم، محمد رضوان، طه الدسوقي، وسواهم ومن يتخلّف عنهم هي نور اللبنانية ورنا رئيس، إذ تستبدلان في «فضل ونعمة» بالماهرة والموهوبة التونسية هند صبري (ناهيك بضيوف جيدين من نوع محمد ممدوح ومحمود حافظ وشريف دسوقي). هنا تبدو الخلطة جميلة، مع مخرج ماهر مثل رامي إمام، وممثلين ذوي قدرة وتجربة، ومع هذا يفشل الفيلم على جميع الأصعدة.
من الفيلم

حكاية الفيلم مستهلكة وممجوجة ألف مرّة على الأقل، حول عائلة مكونة من زوجين «فضل» (الكدواني) و«نعمة» (هند صبري). يعمل الزوجان في إطار الأكل المنزلي، بمعنى أنهما يصنعان أكلهما المنزلي الخاص ويبيعانه لمن يشتري «أونلاين». مهنة مستحدثة يستفيد منها كثيرون في العالم العربي حالياً بتأثير من مواقع التواصل الاجتماعي. سرعان ما يكتشف الطباخان بأنَّ أحد أصدقاء فضل قد وضع مخدرات ضمن أغراضهما. وتبدأ العصابة ذات الأشرار الكاريكارتوريين باللحاق بهما، بهدف إجبارهما على بيع المخدرات وتحصيل الأموال. الشر هنا كما الكوميديا فعلياً ثقيلان على المشاهد، على الرغم من تلقائية أداء الكدواني، وردات فعله الجميلة واللطيفة، ومقدرة هند صبري على التأدية. إلا أن سبك الفيلم وصنعته ومادته المكتوبة لم تتح لأبطال العمل الحركة أو الحرية في تقديم أي شيء مختلف، وهذا يرجع بالتأكيد للثنائي وتّار/ إمام. فابن «زعيم الكوميديا العربية» عادل إمام، الذي خاض تجارب جيدة مع والده، كان متوقعاً أن يقدّم عملاً أقوى من هذا بكثير، إلا إنه على ما يبدو لم يستطع ذلك، فالعمل لا يقدم أي جديد على صعيد الكوميديا أو حتى الصنعة الدرامية.
أدائياً، يمكن الحديث مطولاً عن موهبة «الكاست» في هذا العمل، فنجوم مسلسل «موضوع عائلي» كلّهم موهوبون: اكتشف المسلسل سماء إبراهيم، التي تستطيع تأدية كل الأدوار، وهي فعلياً من الوجوه الجديدة التي تذكرنا ببيومي فؤاد وسيد رجب. الأمر نفسه ينسحب على محمد رضوان الذي يستطيع إضحاك المشاهد في أي إطلالة على الشاشة مع «إيفيهاته» الخفيفة والجميلة. بدوره، يمكن وصف طه الدسوقي بالحرباء الذي أثبت ذلك في مسلسل «الصفارة» في رمضان الفائت. إنّه يلبس أي دور بسهولة بالغة، ويؤدي الشرير كما الطيب وعليه ربما تجربة الدراما التراجيدية، ليرى إن كان يستطيع التأدية فيها كما في الكوميديا. كل هؤلاء يجتمعون مع بطلي العمل، ماجد الكدواني، أحد أفضل مؤدي جيله، الذي احتاج لوقتٍ طويل كي يظهر تلك الموهبة. بدورها، تنجح هند صبري في تثبيت أقدامها كوميدياً. بعد تجربتها الجميلة مع سيتكوم «عايزة أتجوز» (وإن لم يكن الجزء الأخير من المسلسل ممتعاً أو حتى يليق بالسلسلة)، تعود لتؤكد ذلك من خلال دورها هنا: هي عفوية، بسيطة، مباشرة، يشعر المشاهد أنه شاهدها ويعرفها ويضحك على نكاتها و«إيفيهاتها»، ناهيك بالانسجام العالي والكيمياء الجميلة بينها وبين الكدواني وأبطال العمل. إحدى سقطات العمل لناحية الممثلين إضافة أحد أهم وأنشط النجوم المصريين بيومي فؤاد في العمل لكن بلا أي فائدة، وعدم الإفادة منه كما لو أنه ليس مشاركاً، حتى في مشاهده، لا نجده يقدم أي نوع من الأداء.
حوارات ومشاهد تشبه أفلام المقاولات التي اشتهرت في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي


تقنياً، يمكن القول بأن أيمن وتّار كاتب العمل، قد استسهل الصنعة الدرامية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. إنه يقدم كوميديا ثقيلة خالية من أي عفوية، تسطّح الممثلين وتجعل كل تصرفاتهم بلا معنى، لأننا لا نعرف عمق شخصياتهم، ناهيك بحوارات ومشاهد تشبه أفلام المقاولات التي اشتهرت في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. أعمال صنعها مقاولو أفلام لملء سوق كاسيتات الفيديو المصدّرة خليجياً آنذاك. يحاول الفيلم وكاتبه، طرق القضايا الحقيقية بذات السطحية وقلة الدراية مثل العلاقة الملتبسة التي تحكم البطلين مع ابنيهما علي (إسماعيل الجندي) وليلي (ياسمينا العبد). طريقة تناول هذه العلاقة تمثّل سقطة كبيرة في العمل. مثلاً لا يرضي عمل الوالدين ابنتهما ذات الأربعة عشر عاماً، فتظل متأففة، متبرمة، ناقدة لكل سلوكهما، من دون أي ردة فعل منهما على سلوكها غير اللائق، فهل هذه هي الرسالة التي يريد الفيلم تقديمها عن الجيل الجديد، وطريقة التعامل معه؟ مع العلم أنَّ المطابخ الفردية، والطباخين لديهم صفحات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وملايين المتابعين. وكي يبدو سوء تناول الموضوع واضحاً، فالفتاة الصغيرة لا يعجبها والديها حين يفشلان أو حين ينجحان في عملهما، وهذا تقديم سيء للعلاقة مع الشباب والأجيال القادمة: إنهم لا يقدرون آباءهم مهما يكن. هذا الأمر ولو كان فيه شيء من الصحة، كان من الأجدر بوتار أو بإمام أن يغوصا بشكلٍ منطقي في القضية، أو عدم تناولها بشكلٍ نهائي. الأمر نفسه ينسحب على علي ابنهما الصغير، الذي يصوّر كل شيء «لايف» على هاتفه وهو لا يزال ربما في الثامنة من عمره، من دون أي تدخّل من عائلته، ومن دون وعي أنه يصورهم ويعرضهم أمام الناس: فهل كان قصد المؤلف والمخرج أنّ هذه مشاهد «كوميدية»؟
هو فيلمٌ لتضييع الوقت وتمييعه، يضمّ ممثلين مهرة، يستطيعون التأدية باحترافية، لكن جرى استخدامهم ووضعهم في عمل غير مناسب لهم، شتّت جهدهم وجعلهم غير قادرين على منح المشاهد تجربة جميلة يتذكرها ولو لوقتٍ قصير.

* «فضل ونعمة» على «شاهد»