خلال دقائق معدودة، أنزل تويتر مساء الخميس الماضي هاشتاغ #لين_طالب عن عرشه بعد تربّعه هناك لأيّام متتالية، ليحلّ مكانه هاشتاغ #صار_الوقت، بالإضافة إلى اسمَي الوزير السابق وئام وهاب والصحافي سيمون أبو فاضل. الأخيران كانا السبب وراء الفورة الإلكترونية، بعد شجار وتضارب وقع بينهما على هواء البرنامج الذي يقدّمه مارسيل غانم على MTV. البرنامج بدوره أصبح مرتعاً للإشكالات، إذ لم تكن هذه المرّة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة التي يشهد فيها حلبات المصارعة، بل بات الأمر يتكرّر، ما أثار الشكوك حول احتمال ارتياح القائمين على «صار الوقت» لذلك طالما أنّه يجعل برنامجهم على لسان الناس، على طريقة الولد الذي قطع المياه عن قريته. علماً أنّ البرنامج يسوِّق كمنصّة و«مساحة آمنة للحوار»، واستحدَث فقرة للمناظرة بالتعاون مع «المعهد الوطني الديموقراطي» (NDI) بهدف «توسيع ثقافة النقاش في لبنان» («الأخبار» 19/2/2022)، وNDI بدوره يجمع كلّ ما هنالك من معلومات شخصية عن المشاركين.
الإعلام المهيمن يستغلّ موضوع السياحة الصيفية للتغطية على معاناة الناس (Deviant art)

ليس جديداً حصول إشكالات بين شخصَين أو أكثر خلال برامج حوارية، لكنّ تكرار الأمر في برنامج واحد بالتحديد، يثير حتماً الأسئلة، وخصوصاً عندما يكون هدفه المعلن «توسيع ثقافة النقاش». ومقدّم «صار الوقت» بدوره له باع طويل في إدارة نقاشات محتدمة حتى قبل انتقاله إلى «تلفزيون المر»، وغالباً ما يصبّ الزيت على النار بدلاً من تهدئة الأوضاع، ولو تظاهر أنّه يحاول التهدئة. تصرّفه هذا كان محطّ انتقاد روّاد مواقع التواصل، فاعتبر بعضهم أنّ ضحكه على كلام سيمون أبو فاضل عن وئام وهاب، هو الذي استنفر الأخير. لكنّ الجميع كان تحت النيران الافتراضية: هوجم أبو فاضل لدفاعه عن العقوبات الدولية على لبنان كما لقوله لوهاب «إنت وصرمايتك»، فيما هوجم وهّاب لرميه كوب مياه على أبو فاضل قبل ترك مقعده لضربه، فحاول أبو فاضل صفعه رامياً بنظّارتَي وهاب على الأرض، ما شكّل مادّةً للسخرية. من جهته، هوجم مارسيل غانم مع ضيفَيه لعلاقة كلّ منهم بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ودفاعهم عنه، فاعتبر ناشطون أنّ ما حصل لم يكن سوى «همروجة» لدرء الأنظار عن انتهاء ولاية سلامة والفضائح في المصرف المركزي ووزارة المال.
المضحك بالنسبة إلى اللبنانيّين كان إكمال الحلقة مع كلّ ضيف على انفراد، في ما رآه كثر إثباتاً لنظريّتهم حول العلاقة مع رياض سلامة وتسخير هواء الحلقة لتلميع صورته مع اقتراب انتهاء ولايته ومغادرته الحمرا (تستضيف LBCI أيضاً سلامة غداً الأربعاء). لاحقاً، مع خروج أبو فاضل من مبنى الاستديو، تجدّد الإشكال في الباحة، وشوهد تدخّل للجيش اللبناني الذي يتواجد هناك أصلاً مع كلّ حلقة، ولا سيّما منذ الإشكال الذي وقع على الهواء أواخر العام الماضي بين مناصري «التيار الوطني الحر» ومؤيّدي النائب وضاح الصادق.
يجمع NDI كلّ ما هنالك من معلومات شخصية عن المشاركين


الحديث يتعدّى الحادثة بحدّ ذاتها والانتقادات والسخرية، إلى نقاش حول دور الإعلام بشكل عام واحترام قواعد المهنة وأصول الحوار الحضاري، في بلد هو بأمسّ الحاجة إلى الهدوء والحوار والكلام عمّا يهمّ الناس ويطال حياتهم اليومية. فـ «كلام الناس» في مكان مختلف تماماً، ولو أنّ الإعلام المهيمن يستغلّ غيمة السياحة الصيفية للتغطية على معاناتهم. الإعلام هذا لن يفتح مجالاً لما يمسّ برعاته أو مَن يستفيد منهم، وهكذا ترمى «فتَّيشة» تلو الأخرى في محاولة لحرف أنظار الناس والتغطية على كلامهم. في هذا السياق، كان طبيعيّاً أن يثير ما حصل في استديوهات النقّاش شكوك الناشطين حول مدى «عفويته» وما إذا كان للموضوع علاقة برياض سلامة، وصولاً إلى مهاجمة البرنامج كما هو باعتباره «أحد أدوات المنظومة» على حد تعبير المنتقدين. أضف إلى ذلك عدد الأفراد أو الجهات السياسية الممنوعين من حضور البرنامج، ضيوفاً أو جمهوراً، بسبب خلافات مع القائمين عليه، ما يخالف، منطقيّاً، نظرية النقاش المفتوح ويحصر الآراء المتداولة في تقويض واضح لحرّية التعبير من إعلام يعتبر نفسه «موضوعيّاً». والإثبات على ما سبق ما هو إلّا رياض سلامة نفسه! يا للمصادفة، فكلّ مَن أعفوا من منع الظهور على mtv، يؤيّدون سلامة وسياساته.
هكذا إذاً «التهى» اللبنانيّون بما حصل مساء الخميس، لكن مع جانب إيجابي تمثّل في فتح النقاش حول دور برامج مماثلة وضيوفها وأجنداتها الظاهرة أو المستترة، إضافةً إلى تجنّبهم «طُعم» يُنسيهم ألغاز مغارة «المركزي». «صار الوقت» لفتح النقاش حقّاً ومن دون قيود، ليصدح كلام الناس بدءاً بالذين لا صوت لهم... لكن طبعاً ليس مع مارسيل غانم!