اختارت بلدة حراجل (قضاء كسروان) أن يكون مدخلها جسر عبور نحو تاريخها العريق وبطاقة تعريف، لكل من يقصدها، عن هويّتها وجذورها الممتدة عبر العصور. وفي خطوة هي الأولى من نوعها في لبنان، يزدان مدخل حراجل بمنحوتات صخرية ضخمة، تجسّد كلّ منها حقبة من تلك التي عرفتها وتاريخ عوائلها وسكانها. تتحضّر حراجل لافتتاح مدخلها بعد غدٍ الأحد، بعد عمل دؤوب جاء ثمرة تعاون بين البلدية وجمعية «أجيال تراث حراجل». يلفت رئيس البلدية، طوني زغيب، إلى أنّ المدخل «يمتدّ على مسافة أكثر من 200 متر، حيث نُحتت سبع لوحات ضخمة على الصخور على مدار عام كامل، إضافة إلى وضع عدد من التماثيل والاكتشافات الأثرية الأخرى التي وُجدت في البلدة. وقد زُيّن المدخل بالزهور والأشجار مع إنارته بالكامل بواسطة الطاقة الشمسيّة. ويراوح حجم المنحوتات بين مترين ومترين ونصف المتر، بعضها عمودي والآخر أفقي. وتحت كلّ منها، شروحات عنها باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية».
()

تولّى عملية النحت، أحد أعضاء الجمعية والمتخصص في تاريخ حراجل، إيلي سلوم، الذي يكشف لنا أنّ «الفكرة راودتني منذ سنوات طويلة، وخاصة أنّني حريص على ألا يضيع تاريخ حراجل مع الزمن، ولا سيّما أنّ قلة من أهالي البلدة وزوّارها مطّلعون عليه ومدركون لتفاصيله».
ترمز أولى اللوحات إلى مغارة نبع المغارة، وهي أبرز المغاور العديدة التي تحويها حراجل، والتي ذكرها المؤرخ الفرنسي الشهير إرنست رينان، والأديب والمؤرّخ والأكاديمي فؤاد إفرام البستاني والمؤرّخ والأكاديمي أسد رستم، الذين قالوا إنّ الإنسان الأول عاش فيها منذ القرون الحجرية الوسطى. كذلك، اكتُشفت فيها منحوتات تعتبر من أولى محاولات النحت في التاريخ، إضافة إلى عظام لحيوانات منقرضة، عاشت في حقبة ما قبل التاريخ.
اللوحة الثانية ترمز إلى الحقبة الفينيقية والتي يعود إليها أصل تسمية البلدة: أحراج إيل، أي إله الغابات والأحراج.
تجسّد الثالثة إله الخمر عند الإغريق ديونيسيوس، الذي كان يوجد معبد مخصص له في حراجل قبل أن يتحوّل لاحقاً إلى كنيسة. وما يفسر عبادة هذا الإله في تلك الحقبة أنّ الجبال المحيطة كانت مزروعة بالكروم وتحتوي على عدد كبير من المعاصر. علماً أن المذبح الوثني لا يزال موجوداً في مكانه.
تعود اللوحة الرابعة بالزمن إلى الحقبة الرومانية، حيث توجد نقوش في المنطقة تعود إلى زمن الإمبراطور الروماني أدريانوس الذي يحرّم فيها قطع الأشجار للحفاظ على الغابات. أما اللوحة الخامسة، فتعيد التذكير بحملة المماليك الدموية على منطقة كسروان مطلع القرن الرابع عشر والتي أدّت إلى تهجير سكان المنطقة.
عودة السكان الأصليين إلى المنطقة بعد تهجيرهم منتصف القرن السابع عشر تجسّدها اللوحة السادسة، والتي تتضمن أيضاً أصل كل عائلة وأوّل شخص أتى من كلّ منها إلى حراجل، فيما اللوحة الأخيرة عبارة عن شجرة لعائلات حراجل.
حرص حراجل على الإضاءة على تاريخها، انعكس أيضاً في إنشاء متحف في بيت تراثي قديم بُني باستخدام صخور من جبال البلدة، ويحوي قطعاً أثرية ووثائق ومستندات عدّة.
توفّر حراجل لزوارها، تجربة متكاملة، تتعدى الإطار التاريخي. فالبلدة بحسب رئيس بلديتها «تمتد على مساحة ضخمة، وتعتبر ثاني أكبر البلدات في قضاء كسروان من حيث المساحة، وهو ما ميّزها بتنوّع بيئي وبيولوجي واسع للغاية، وما جعلها مقصداً مثالياً لكلّ محبّي الطبيعة». ويشير زغيب في هذا السياق إلى «توفّر حوالى ستّ مغاور، أهمها مغارة نبع المغارة التي سبق وذكرناها والتي تمتدّ على مسافة كيلومترات عدّة، إضافة إلى مجموعة من الينابيع. ويمكن لكل من يقصد البلدة أن يبيت فيها، حيث تتوافر باقة من الفنادق والموتيلات والمطاعم».

افتتاح مدخل حراجل: بعد غدٍ الأحد ــ الساعة السادسة مساءً ــ حراجل (قضاء كسروان).