«إذا كان في بلد ما حاكمٌ وحيد، وهذا الحاكم لا يمكن انتقاده، فهل في هذا البلد حرّية؟». هذه الكلمات البسيطة والمنطقية لوزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد مكاري، كانت كفيلة بإشعال جبهة افتراضية سعودية لمهاجمته ووضعه في الخانة نفسها مع سلفه جورج قرداحي. حملة ضخمة استمرّت أياماً ضدّ الوزير بسبب ما قاله في إحدى حلقات برنامج «الرئيس» الذي يقدمه سامي كليب على قناة «الجديد»، إلى جانب مجموعة ضيوف من بينهم ميسون نويهض المذيعة في شبكة «العربية» السعودية. انكبّت المقدمة اللبنانية على الدفاع عن الإعلام الخليجي، معتبرةً أنّه «موجود في منطقة لديها رؤى. هناك رؤى في الإمارات وفي السعودية. هذه الرؤى تسمح بالتقدم والتطور في كل المجالات، في الصناعة والإعلام وغيرها لكن المشكلة في لبنان أننا نعيش في المجهول ليس لدينا رؤية، ولا يوجد رئيس ولدينا علامات استفهام على وجود الدولة». وهنا ردّ مكاري عليها، مسائلاً حرية الإعلام وتنوّعه في المنطقة التي تحدّثت عنها نويهض. وسرعان ما انطلقت حملة ضده، مطالبةً بإقالة الوزير والاعتذار من المملكة وغيرها من أمور تعارض ــ للمفارقة ــ مبدأ حرية الرأي والإعلام! اللافت أنّ مكاري حرص قبل كلامه على ذكر أنّه لا يعني بلداً محدّداً، على الأرجح خوفاً من ردود الأفعال التي باتت تطارد كلّ مسؤول لبناني، لكنّه مع ذلك جوبه بقصف عشوائي. وراح المشاركون في الحملة، ومن بينهم لبنانيّون، يكيلون الشتائم للوزير ولبلده، ويطالبون بمحاسبته، ويقارنونه بسلفه، مع التذكير بتسميتهما من قبل الحزب نفسه (تيّار المردة)، ملصقين به تهمتَي «العمالة والتبعية لحزب الله». ورغم ضخامة الحملة واستمرارها لأيّام عدّة، إلّا أنّ القنوات المهيمنة اللبنانية اختارت تجاهلها تماماً كما لو أنّها لم تحصل أبداً. فهي لن تشارك في الحملة على الوزير الذي يروّج منذ أشهر بالتعاون معها لكون بيروت عاصمة للحريّات الإعلامية، لكنّها في الوقت نفسه لن تنقل ما يقوله مهاجموه في محاولة لعدم تشويه صورة السعودية التي تروّج للسياحة والمهرجانات و«الانفتاح» على أراضيها. هذا التنافر أدّى إلى تعتيم كامل على الموضوع.