قد لا تكون هناك حالة مشابهة في العالم لحالة شهداء صدقات، وهو الاسم الذي اختارته المغنية الإيرلندية الراحلة شِنيد أوكونور على إثر اعتناقها إسلامها. إسلامها وتغيير اسمها، لم يكونا السمة الوحيدة التي ميّزت حياتها. علاقتها بالقضية الفلسطينية (ناهيك باهتمامها بالمقهورين والمعذّبين حول العالم) كانت السمة الأبرز في مسيرتها، وربما هذا ما يجعلها فريدةً من نوعها، وخصوصاً مع غياب أي نوع من الاهتمام بالقضايا الكبرى من قبل الفنانين والمشاهير إلا تلك التي تدعمها الدول والأمم المتحدة وجمعيات الـNGO’s. يتجنّب معظم الفنانين/ المشاهير أي قضيةٍ قد تجعلهم يخسرون جمهوراً أو منظم حفلات أو مالاً، لذلك يبتعدون قدر استطاعتهم عن أي قضية يرونها إشكالية. هذا بالضبط ما لم تفعله أوكونور، لقد كانت تناضل في كل القضايا التي تعتقدها محقّة. واحدةٌ من هذه القضايا هي عشقها للقضية الفلسطينية، ولم يكن رفع «علم» فلسطين في معظم حفلاتها (منذ سنواتٍ خلت وقبل إسلامها حتى) إلا دليلاً على ذلك.


ولمن يعرف القليل عن المغنية الإيرلندية الراحلة، فهي كانت قد ألغت حفلة في عام 2014، على إثر العدوان الصهيوني الوحشي على غزّة، وقد كان مقرراً أن تُقام الحفلة في منطقة «قيسارية» (تقع بين عاصمة الاحتلال في تل أبيب ومدينة حيفا). في حديثٍ مع أحد الصحافيين يومها، قال لها بأنها ستؤيد الصهاينة، وستدوس على آلام الشعب الفلسطيني إذا ما شاركت في تلك الحفلة، لتعلن مباشرةً عن إلغاء الحفلة، مؤكدةً على دعمها المطلق للقضية الفلسطينية، ومصرّحةً لمجلة «هوت بريس» الإيرلندية: «دعنا نقول فقط إنه على المستوى الإنساني، أي شخص لديه عقل، بما في ذلك أنا، لن يحمل إلا التعاطف مع المحنة الفلسطينية. ولا يوجد شخص عاقل على وجه الأرض، يؤيد بأي شكل من الأشكال الجحيم الذي تمارسه السلطات الإسرائيلية».
كل هذا لم يكن بداية العلاقة مع القضية الفلسطينية والمواقف المناهضة للاحتلال من شِنيد أوكونور، إذ إن موقع «ميدل إيست مونيتور» أشار في تقريرٍ له إلى أنّها كانت قد كتبت رسالة إلى وزير «الأمن القومي» الصهيوني المتطرف إيتمار بن غفير، تدينه ومجموعته التي كان اسمها آنذاك «الجبهة الأيديولوجية». وكان بن غفير ومجموعته قد أعلنا «عن استعدادهما لقتلها إذا ما شاركت في حفلة موسيقية كان مقرراً إقامتها في مدينة القدس في عام 1997. يومها تبجّح بن غفير شامتاً عبر مقابلةٍ إذاعية بأنه ومجموعته، كانا السبب الرئيس في إلغاء الإيرلندية لحفلتها. وقتها كان موقف بن غفير ينبع من أن أي حفلة تدعم الفلسطينيين أو على الأقل تقف مع الصهاينة والفلسطينيين و«تدعوهم للتعايش» بأي شكل من الأشكال، فإنها معادية لـ «الشعب العبري». في ذلك الوقت، لم تكن شِنيد أوكونور تفهم بعمق تداعيات القضية الفلسطينية وواقعها المعقّد. إذ اعتبرت أنّ المشاركة في ذلك النشاط سيدعم «الشعبين». لاحقاً وبعد تلك الحادثة وخصوصاً بعد مجازر غزّة عام 2014، فهمت بأنها ليست إلا حرباً على مدنيين، وبأن هذا هو «إرهاب دولة» بحسب كلامها. يذكر هنا أنّ شِنيد أوكونور كانت لها قبل ذلك كلّه حادثة شهيرة إبان عام 1994، حين تعاركت مع مصوّر قرب «كنيسة القيامة» في القدس، موضحةً: «في الحقيقة، كرهت المكان كثيراً ووجدته أكثر الأماكن التي زرتها قسوةً، وما زالت ندوبه عليّ من الصحافي الذي دفع كاميراته في صدري». وكانت قبل ذلك، قد أوضحت أنّ الفنانين لا يَعرفون ما يحدث حولهم (وتقصد في القضايا المصيرية) وبأنّ معظمهم «حمقى وجهلة» على حد تعبيرها، مضيفةً: «لم أكن أعرف ولم يقل لي أحد شيئاً من خلال وكيل الحجز أنني لو وطأت قدماي هناك (تقصد حفلة قيسارية التي ألغتها) أكون قد خرقت المقاطعة الثقافية هذه، وأكون مثل مَن داس على نضال الشعب الفلسطيني. كانوا يعرفون بهذا الوضع، لكنهم لم يخبروني به عندما حاولوا إقناعي على مدار عام بالمشاركة في الحفلة». وقد أشارت بعد ذلك إلى علاقتها مع كيان الاحتلال، مؤكدةً أنه في عقلها ليس هناك أي شيء اسمه «كيان الاحتلال: إنه المكان الوحيد الذي لم أرد الذهاب إليه مرة أخرى، ونتيجة لذلك، فخلال الـ 25 عاماً الأخيرة، كلما جاء أي شيء عن إسرائيل في الأخبار، فإنني أغلقها. ومن وجهة نظري، إسرائيل لم تكن موجودة، ولهذا لم أواكب ما يجري هناك، إسرائيل كلمة سيئة بالنسبة إلي».